توقفنا في الجزء الأول عند المشكل الذي يواجهه الدعاة و المتمثل في حيرتهم تجاه القضاية المختلفة التي تظهر على الساحة و التي ينبغي أن يجدوا لها حلولا.
وإزاء هذا المشكل تبرز المؤتمرات كحل لهذه المشكلة ، وأنا أعني بلفظ المؤتمرات معناه اللغوي لا الاصطلاحي ، فليس ضروريا أن يضم المؤتمر مئات المشاركين ، كما أنه ليس جوهريا أن يعقد في صالة للمؤتمرات ، ولا أن يأخذ تنظيمه الطابع التقليدي الذي نراه أو نسمع عنه ( وإن كان تنظيم المؤتمرات في حد ذاته أمرا محمودا بل قد يكون ضروريا ) ، فكل اجتماع يعقده مجموعة من الدعاة للبحث والتشاور في أمر من أمور الدعوة فهو مؤتمر ويمكن أن نسميه اجتماعا .
وعلى ذلك فصورة المؤتمرات التي ندعو إليها كوسيلة من وسائل خدمة الدين : هي الاجتماع الدائم بين الدعاة للتباحث والتشاور في قضايا الدعوة سواء اتخذوا رأيا موحدا أم لا ، وسواء ترتب على هذه الاجتماعات عمل أم لا ، فالتشاور والتباحث مقصود لذاته .
ولعل سائلا يتعجب : كيف يكون التشاور مقصودا لذاته ؟! والجواب أن هذا التشاور عامل مهم في تقريب الأفهام ووجهات النظر بين الدعاة ، بحيث تذوب به الحزازات بين الدعاة ، وتتعاظم مساحة القاسم المشترك الذي يجمع بينهم ، كما تتضاءل الفوارق ويضمحل سوء الظن ووسواس الصدر ، وتتجه الاهتمامات بعد إذا لتضييق الفجوات واتخاذ الخطوات البنّاءة ، بعيدا عن النقاش العقيم والنقد المفرغ من أهدافه .
ولقد صارت المجتمعات المتمدنة تولي المؤتمرات اهتماما بالغا ، حيث أضحت هذه المؤتمرات علامة بارزة على قوة المجتمع وتماسكه وتطلعه إلى مستقبله بالخطو الرشيد .
ولن تخطيء عيناك الندوات التي تعقدها كل الهيئات العلمية وغيرها لمنسوبيها بهدف رفع مستوى الوعي لدى هؤلاء تجاه القضية التي يدعون المتخصصين للحديث عنها .
وقد بينا قبل أن هذه المؤتمرات يطلق عليها في اللسان الغربي ( سمنار ) حتى سرى استعمال اللفظ بين المتخصصين من أبناء اللسان العربي ، والحري أن يستبدلوه بلفظ المؤتمر البحثي أو الندوة أو ما شابه من الألفاظ العربية الأصيلة .
وفي هذه المؤتمرات البحثية يتم دعوة المتخصصين من ذوي الخبرات للحديث عن القضية التي يراد بحثها ، ويتم مناقشة هؤلاء المتخصصين وسؤالهم والتحاور معهم بروح علمية موضوعية .
وفي الغالب ما يتم ختم تلك المؤتمرات بقرارات وتوصيات وإعلان ، من شأن كل ذلك أن يكون خطوة مساهمة في أي مشروع يراد إقامته ، فكل شيء أقامه الإنسان على وجه الأرض إن هو إلا وليد فكرة تضافرت مع مثلها وغذتها العزيمة وطبقتها الإمكانيات المتاحة .
وما أجدر الدعاة أن يتنادوا إلى مثل هذه المؤتمرات فيطرحوا على بساط البحث والمناقشة كل قضاياهم ومشكلاتهم ، ليس بالضرورة أن يجدوا لها حلا ناجحا ، فمجرد الاجتماع والتشاور سيكون له دور في وضع اللبنة الأولى لحل أي مشكل .
يتبع …
View the Original article
0 comments:
Post a Comment