الإمبريالية الجديدة
جميع الناس في العالم قلقون، فلم يجدوا تفسيراً مقنعا لما يجري. هناك أسئلة كثيرة في أذهانهم. لا يدرون ما السبب وراء التحوّل المفاجئ الذي عرفته سياسة الولايات المتحدة حيث تحولت من سياسة الإجماع والتوافق إلى سياسة الإكراه و القسر و هل هذا علامة قوة أم علامة ضعف؟ و هل على العراق هي حرب فقط من أجل النفط أم من أجل شيء أخر؟ و الكثير، الكثير من الأسئلة الأخرى…
النفط أولاً وأخيراً
إن حرب أمريكا على الإرهاب ليست سوى نوع من ممارسة الإمبريالية، أو السعي لتكوين إمبراطورية. قد يبدو هذا القول صدمة للأمريكيين الذين لا يرغبون لبلادهم أن تكون إمبراطورية. ولكن ماذا تسمى كل تلك الفيالق من العسكر والقوات الخاصة المنتشرة في كافة أصقاع العالم؟
تساؤل العالم: لماذا تتشبث إدارة الرئيس بوش بهذا التوجه العسكري لضرب العراق؟ فهناك دلائل تشير إلى وجود شيء ما وراء ذلك، شيء تحت السطح، مليء بالشعارات المضلِّلة والإعلام الكاذب، ويجب التنقيب عنه، فيتجول في تجربتين يرى أن بهما الإجابة عن تلك الأسئلة، وهي قصة اثنين من منتجي النفط: (فنزويلا) والإطاحة برئيسها شافيز، و(العراق) بإطاحة رئيسه صدام حسين، فهو يرى أنه في حال نجاح الولايات المتحدة في التخطيط للإطاحة بكل من شافيز وصدام (وهذا ما حصل بالفعل)، وتوطد وجودها العسكري الإستراتيجي في جمهوريات آسيا الوسطى، فتهيمن على احتياطات النفط في حوض بحر قزوين، عندئذٍ ومن خلال سيطرتها المحكمة على “صنبور” نفط العالم تستطيع أن تأمل في إحكام سيطرتها على الاقتصاد العالمي لخمسين سنة قادمة.
كيف تعاظمت قوة أمريكا؟
الإمبريالية كلمة يسهل لفظها والتحدث عنها، لكنها تحمل معاني مختلفة يصعب معها استخدام هذه الكلمة دون تقديم بعض التوضيحات على سبيل التحليل وليس بقصد الجلية وتفنيد الرأي. وهذا ما حاول المؤلف البدء به كمدخل إلى بحثه التالي للإجابة عن سؤاله: كيف تعاظمت قوة أمريكا؟
هناك شكلان من أشكال منطق القوة: المنطق الإقليمي، والمنطق الرأسمالي، ودوافع أصحاب هذين المظهرين للقوة ومصالحهما مختلفة، فالرأسمالي الذي يملك المال يضع أمواله حيث يجد الربح وهو يسعى -عادة- لزيادة رأسماله. أما رجال الحكم فيسعون للحصول على نتائج تزيد قوة دولتهم أمام الدول الأخرى.
قصة الهيمنة الأمريكية
وضعت الولايات المتحدة نفسها على رأس الترتيبات الأمنية المشتركة، واستخدمت منظمة الأمم المتحدة، كما استخدمت وسيلة التحالفات العسكرية، مثل الناتو، للحد من أي احتمال لنشوء حروب بين الرأسماليين ولمكافحة نفوذ الاتحاد السوفيتي والصين، كما سعت لبناء نظام دولي مفتوح في مجال التجارة والتنمية الاقتصادية والتراكم السريع لرأس المال يقوم على أسس رأسمالية.
لقد آذنت نهاية الحرب الباردة بحصول تغييرات كبرى، ولا يزال المنطق الإقليمي للقوة في طور التحوّل لكن النتائج غير مؤكدة، ويتضح أيضاً أن المنطق الإقليمي والمنطق الرأسمالي يعيشان في حالة تجاذب شديد القوة، غير أن المنطق الإقليمي الأمريكي تحت إدارة الرئيس بوش قد اتضحت معالمه، ولهذا السبب يدور معظم الحديث الآن عن الإمبراطورية، وعن الإمبريالية التي تتمركز في الولايات المتحدة، لكن ميزان القوى التي تعمل داخل المنطق الرأسمالي يشير إلى اتجاهات مختلفة نوعاً ما. أما كيف سينتهي بها الأمر فهذا يعتمد كلياً على فهم أفضل للطريقة التي يعمل بها المنطق الرأسمالي للقوة.
عبودية رأس المال والقبول بالقشر
إن بقاء الرأسمالية وديمومتها هذا الأمد الطويل على الرغم من الأزمات الكثيرة وإعادة التنظيم المترافقة في كثير من الأحيان مع تكهنات مؤلمة من اليمين واليسار عن قرب زوالها، مسألة يكتنفها الغموض، وينبغي تسليط الضوء عليها.
إن الإمبريالية ذات الشكل الرأسمالي تنشأ من تلك العلاقة الجدلية الديالكتيكية بين المنطق الرأسمالي والمنطق الإقليمي للقوة، وهذان المنطقان متمايزان، ولا يمكن اختزال أحدهما بالآخر، رغم أنهما متداخلان ببعضهما بقوة، ويمكن تفسيرهما بعلاقات داخلية فيما بينهما، لكن نتائجهما متباينة كثيراً في المكان والزمان، وكل واحد منهما يفرز تناقضات، لابد أن يحتويها الآخر.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment