ذات يوم كان مصعب جالسًا ومعه سعد بن زرارة وهو يعظ الناس ففوجئ بقدوم أسيد بن حضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة وهو يكاد ينفجر من فرط الغضب على ذلك الرجل الذي جاء من مكة ليفتن قومه عن دينهم، فوقف مصعب أمام أسيد وقد كان ثائرًا، ولكن مصعب انفجرت أساريره عن ابتسامة وضاءة وخاطب أسيد قائلاً: أو لا تجلس فتستمع؟ فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته كففنا عنك ما تكره. قال أسيد: أنصفت. وركز حربته وجلس يصغى وأخذت أسارير وجهه تنفرج كلما مضى مصعب في تلاوة القرآن وفي شرح الدعوة للإسلام, ولم يكد يفرغ من كلامه حتى وقف أسيد يتلو الشهادتين.
سرى النبأ في المدينة كالبرق فجاء سعد بن معاذ وتلاه سعد بن عبادة وتلاهم عدد من أشراف الأوس والخزرج. وارتجت أرجاء المدينة من فرط التكبير. وفى موسم الحج التالي لبيعة العقبة قدم من يثرب سبعون مسلمًا من بينهم امرأتان، وكان ذلك فاتحة مباركة لهجرة الرسول إلى المدينة.
وعاد مصعب إلى رسول الله ، يحمل له البشرى في مكـة، وبلغ أمه أنه قد قدم فأرسلت إليه يا عاق أتقدم بلدًا أنا فيه لا تبدأ بي, فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله , فلما سلم على رسول الله وأخبره بما أخبره ذهب إلى أمه, فقالت: إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد, قال: أنا على دين رسول الله وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله, قالت: ما شكرت ما رثيتك مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب, فقال: أقر بديني إن تفتنوني, فأرادت حبسه, فقال: لئن أنت حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي، قالت: فاذهب لشأنك, وجعلت تبكي, فقال مصعب: يا أمة إني لك ناصح عليك شفيق, فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله, قالت: والثواقب لا أدخل في دينك, فيزري برأيي ويضعف عقلي, ولكني أدعك وما أنت عليه وأقيم على ديني.
وهكـذا أتيح له هو الوحيد أن يسلم على يده هذا العدد من الأنصار، حتى كادت المدينة كلها تدين بإسلامها لمصعب .
وكان مصعب بن عمير أول من جمع الناس للجمعة بالمدينة
عن الزهري قال: بعث رسول الله مصعب بن عمير بن هاشم إلى أهل المدينة ليقرئهم القرآن فاستأذن رسول الله أن يجمع بهم, فأذن له رسول الله وليس يومئذ بأمير, ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة, قال معمر: فكان الزهري يقول: حيث ما كان أمير فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة ويصلي بهم ركعتين.
شهد مصعب بن عمير بدرا واختاره الله للشهادة في سبيله يوم أُحد
حمل مصعب لواء المسلمين في أحد، في الطبقات لابن سعد عن أهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها, ومصعب يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144], وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144], ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء, وسقط شهيدًا وأرضاه.
عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف أتى بطعام وكان صائمًا فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني, كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه, وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني, ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط, أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا, وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا, ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
قُتل يوم أُحد على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئًا.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment