أثبتت البحوث التي تم عملها عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد أوصل الرسالة كما أوصاه الله تعالى، مطيعا لأمر الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” (المائدة : 67). ولم يقتصر تبليغ تعاليم الدين الإسلامي على القرآن وحده ، وإنما شمل أيضا الشرح والبيان والإيضاح والسلوك والتطبيق العملى . وهذا كله ما نسميه “سنة الرسول “، والتي لا يجوز لمسلم أن يهملها، فهي التي تأخذ بيده لفهم القرآن وتطبيقه تطبيقا صحيحا فى حياته اليومية . ونجد أن الله عز وجل أمرنا فى القرآن بالصلاة والزكاة والحج، واتباع كل مبادئ الإسلام ، ولكن نجد أيضا أن السنة هي التي بينت أوقات الصلاة وعدد ركعاتها، وأركانها وفوائدها وشروط صحتها ، وقصرها والجمع بين بعض فروضها و آدابها . كما بينت مناسك الحج، وكيفيه آداء فريضة الحج، وكيفيته وأنواع الزكاة ومقاديرها وشروطها، وكذلك تفاصيل شئون الحياة من بيع وشراء و إجارة. فالسنة إذن قد بينت وفصلت مقاصد القرآن، ووضحته وأنارت السبيل للناس في المعاملات. كما بينت السنة النبوية الشريفة حقوق الأباء علي الأبناء، حقوق الجار علي الجار، ووضعت الحلول النافعة لمشكلات الحياة التي تواجه البشر وخاصة الشباب.
وإذا كنا نأخذ كل الأحكام الشرعية من القرآن الكريم، لأنه المصدر الأساسي للتشريع، فإن السنة المطهرة هي المصدر الثاني للتشريع، لأنها موضحة ومفسرة ومبينة للقرآن الكريم. ونجد أن الصحابة رضوان الله عليهم قد التمسوا أهمية السنة النبوية الشريفة، فقد اهتموا بها،حيث أنهم حفظوها وفهموها وعرفوا مقاصدها بذكائهم الفطري، وما سمعوه من ارشادات النبي صلي الله عليه وسلم. فقد كان الصحابة يسألون النبي صلي الله عليه وسلم في كل ما لا يفهموا معناه. وقد بلغ حرص الصحابة علي سماع الوحي والسنة ، أنهم كانوا يتناوبون حضور مجالس النبي صلي الله عليه وسلم، حتي لا يفوت أحدهم شئ، ولكي يبلغ الحاضر منهم الغائب، ولكي لا تتعطل اعمالهم. ففي صحيح البخاري عن عمر قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار من بني أميةبن زيد من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك. وبذلك جمعوا بين خيري الدنيا والآخرة، فما شغلتهم دنياهم عن دينهم، ولا شغلهم دينهم عن دنياهم.
وقد بدأ تدوين السنة في آخر عهد الرسول صلي الله عليه وسلم، وكان الصحابة يفرقون بينها وبين القرآن، ولكن الذي تم تدوينه في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم شئ قليل من السنة. وأما معظمها فقد نقل عن طريق الرواية من الحفاظ الذين كان يهتم بعضهم بتدوين السنة، ومنهم من اشتهر بذلك إلي أن جاء خامس الخلفاء الراشدين الخليفة العظيم عمر بن عبد العزيز، فاهتم بتدوين السنة كاملة خوفا عليها من الضياع. وأعانه علي ذلك الصحابة والتابعين الذين اهتموا بتدوين ما يحفظون من أحاديث وس نن عن النبي صلي الله علي وسلم. وعرف في ذلك الوقت بما سمي بالمدونات أوالصحائف، ومن أشهرها صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وتسمي بالصحيفة الصادقة. وفي القرن الثالث الهجري صارت علوم الحديث من أهم علوم الإسلام، فقد بدأ العلماء بإفراد كتب الحديث النبوي، وقاموا بالتحقيق والتدقيق فيما تم جمعه من الأحاديث، وجمعوه في كتب الجوامع الصحيحة للحديث النبوي. وكانوا قد قاموا بتنقية الحديث النبوي، وتمييز الحيح من العليل بحلول القرن الرابع الهجري. ومن ثم بدأ العلماء في الشرح والتفصيل، وقد اتفق علماء المسلمين علي أن هناك كتبا، تعتبر المصادر الأساسية لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم وهي : صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داوود، سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، سنن النسائي.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment