إن النفس البشرية لها دوافعها وغرائزها، وميولها ونزعاتها، وهي بحكم طبيعتها تنزع إلي ما تطمح إليه، وتتطلع إلي ما لم تصل إليه متمنية الوصول إليه، وتحقيق ما تريده من آمال. ولكن قد يكون بعض ما تطمح إليه النفس البشرية بعيدا عنها، وليس لها نصيب. وقد يكون الله تعالي قد وهب بعض النفوس البشرية قدرات خاصة ومواهب معينة، تمكنها من تحقيق هذه الآمال والأمنيات، وقد لا تتحقق مع نفوس أخري وحينها يكون التعلق بما عند الناس أو محاولة محاكاتهم للوصول إلي ما وصلوا إليه وسيلة لتعب النفس البشرية وإرهاقها النفسي الذي لا انتهاء منه، ولن يكسب الإنسان من وراء تلك المحاكاة إلا الأحقاد والمتاعب.
ولذلك أمرنا الله عز وجل في كتابه الحكيم بأن لا نتمني ما أعطاه لغيرنا، وأن نرضي بما قسم الله لنا، فقد قال تعالى: “ ولَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمً ” ( سورة النساء:32) صدق الله العظيم. وأنزل الله تعالى هذه الآية عندما سألت أم سلمة رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث ؟ فأنزل الله هذه الرد القرآني ليكون خير رد علي أم سلمة. فإن التمني لا ينفع بشيء، بل قد يؤدي في بعض الأوقات إلي الحقد والحسد، لذلك من الضروري تهذيب النفس البشرية وتربيتها علي الرضا والقناعة حتي ترضى دائما.
ونجد أن بعض الناس قد وصل تطلعها إلي غيرها إلي حد المرض، فنجد منهم من يتطلع إلي رزق غيره أو إلي أولاد غيره، ولكن في النهاية هو تطلع لا فائدة منه، لأن الله تعالى هو الواهب لكل شيء، يعطي من يشاء و يأخذ ممن يشاء وليس لنا إلا تهذيب النفس وتقويمها حتي ترضى وتحمد الله وتشكره. وقد يكون علاج تلك النفوس بالنظر دائما لمن أقل منها حتي تدرك ما رزقت من نعم وتحمد الله عليه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ” إذا نظر أحدكم إلي من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلي من هو أسفل منه” صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. فهذا هو العلاج الناجح للنفس البشرية وتطلعاتها التي لا نهاية له، والتي لا تؤدي إلا إلي الحسرة والندم. ونظر اللإنسان لمن أقل منه ينطبق فقط علي الأمور الدنيوية فقط، وليس عاما في أمور الدين والعبادات والطاعات. فتلك الأمور يستحب ان ينظر الإنسان فيها إلي من هو أعلي منه شأنا حتي يتنافس معه ويحذو حذوه، ليزداد طاعه لله وقربا منه.
وإن التربية الإسلامية للنفس البشرية تأخذ بها إلي النجاح والرشد والفلاح، وإن في البعد عن التربية الإسلامية ضياعا للنفس في متاهات الحياة الدنيا بلا فائدة. أما تربية الإسلام للأفراد والجماعات فهي تأخذ بأيديهم إلي حياة الرضا والطمأنينة، والراحة والسكينة، وفي ظل التربية الإسلامية التي أساسها الرضا بقضاء الله وقدره يدرك الإنسان النعم التي بين يديه، فيقضي عمره كله بين الحمد والشكر. فقال الله تعالى: ” لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” (سورة ابراهيم:7) صدق الله العظيم. ويجب علي الإنسان المسلم أن يردد دائما ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم: ” اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر” صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment