التحول الاقتصادي والتحول السياسي

on Saturday, October 27, 2012

في مقال بعنوان ثمن الحرية يتحدث الكاتب الأمريكي صامويل هنتنجتون، صاحب كتاب صدام الحضارات عن تلازم أصيل بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية. ويؤكد أن التحول إلى الرأسمالية ونظام السوق الحر، يؤدي إلى حرية سياسية. ثم يشير إلى أن التحول الاقتصادي يحتاج إلى سنوات طويلة، كما أن نتائجه غير مستحبة بالنسبة للشعوب التي تمر بتجربة التحول، بينما يحدث التغير السياسي في يوم وليلة، بمجرد تنظيم انتخابات نزيهة، ويؤدي هذا إلى بهجة عامة. أي أن تنظيم الانتخابات أسهل وأسرع بكثير من تنظيم الأسواق.

ويرصد الكاتب ثلاثة أشكال للتحول: الأول يتزامن فيه التحول الاقتصادي والسياسي، والثاني يحدث فيه التحول السياسي ثم يليه الاقتصادي، بينما الشكل الأخير يحدث فيه التحول الاقتصادي ثم يليه التحول السياسي. وفي معرض نقاشه للأشكال الثلاثة يرى أن حدوث التحول السياسي أولا، يساعد جماعات الضغط الشعبية على الحركة وقد تؤدي حركتها إلى عرقلة التحول إلى نظام السوق إن لم تستطع منعه، لهذا هو لا يرجح هذا الشكل.

ويرى أن تزامن التحول صعب الحدوث ويحتاج إلى حكومة تحظى بتأييد شعبي، قادرة على اتخاذ قرارات سريعة للتحول نحو اقتصاد السوق الحر، ثم تعالج الآثار المترتبة على هذه القرارات فيما بعد. يبقى الشكل الثالث والأخير الذي يتم فيه التحول الاقتصادي تحت إشراف نظام قمعي، قادر على قمع أي حركات معارضة قد تعوق التحول. وثم يشير الكاتب إلى أن هذا هو الثمن الذي يجب أن تدفعه الشعوب الراغبة في الحرية.

من يدفع ثمن هذه الحرية المزعومة سوى الفقراء وحدهم. وإذا كان هنتنجتون وغيره من الكتاب يروجون لرخاء قادم بعد سنوات الحرمان، فإن الحقائق على الأرض تشير إلى عكس ذلك. فكل الدول التي مرت بتجربة التحول لاقتصاد السوق لم تعرف هذا الرخاء، إلا إذا اعتبرنا تضاعف ثروات الأغنياء في وقت قياسي رخاء. فلقد انتهى مفهوم دولة الرفاه الاجتماعي في الغرب منذ نهاية السبعينات، وتصاعدت سطوة سياسات اللبيرالية الجديدة أثناء وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وقبل أن تبدأ عمليات التحول نحو سياسات السوق. ويمكن أن نرصد نتائج هذه السياسات في الدول التي بدأت التحول الاقتصادي، تجلت في ارتفاع الأسعار وزيادة أعداد العاطلين وتعاظم نسبة الفقر والتراجع في الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم بسبب تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي. أضف إلى ذلك الأزمات العالمية، التي تلقي بظلالها على فقراء العالم، كأزمة الطاقة والغذاء.

وهذا المقال ينطوي على مغالطة خطيرة، إذ يشير هنتنجتون، وغيره من الكتاب والمفكرين، إلى تلازم بنائي بين الرأسمالية والديمقراطية، وهو تلازم تهدمه نظرة واحدة لخريطة العالم وإحصاء عدد الدول الرأسمالية التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية. بالإضافة إلى نماذج تاريخية واضحة مثل ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، كما أن هناك العديد من الدول التي أنجزت التحول الاقتصادي، أو على وشك إنجازه دون أي تقدم سياسي واضح.

الأخطر والأهم أن الديمقراطية الموعودة على النمط الغربي تشبه إلى حد كبير ديمقراطية البولس اليونانية القديمة التي كانت تستبعد الفقراء والنساء والعبيد وبعدها يحكم بقية السكان المدينة بالتناوب. وهو ما نراه من سيطرة الشركات ومجموعات المصالح على الحكم في دول الغرب كافة، حيث تبقى حرية الحركة والتعبير متاحة في ما لا يتعارض مع مصالح الشركات. فحكومات الغرب تدعم أنظمة قمعية، وتدعم انقلابات عسكرية وتتدخل عسكريا حسب مصالحها والأمثلة كثيرة والتغاضي عنها من قبل المدافعين عن الغرب هو تزييف للحقائق. كما أنها لا تخدم شعوب الغرب بل تخدم مصالح الشركات المتحكمة في هذه الحكومات، فالمظاهرات الحاشدة في الغرب ضد الحرب على العراق، رغم المعلومات الكاذبة عن خطر العراق على العالم لامتلاكه أسلحة نووية، لتعتبر دليلا واضحا على تحرك حكومات الغرب ضد إرادة شعوبها. كما أن للديمقراطية الغربية أنياب، ظهرت في قمع متظاهري سياتل ومعتقلات جونتانامو وأبو غريب، وقبلها لجنة مكارثي، وما خفي أعظم.



View the
Original article

0 comments: