النهضة العربية .. محمد علي 2-2

on Wednesday, October 24, 2012

بدأ مشروع الإمبراطورية ينهار بنفس السرعة التي انطلق بها، فلقد قررت الدول الأوروبية أن تقلص إمبراطورية محمد علي، وتحاصره في مصر، وظهيرها الإفريقي. كما أوقفت تصدير السلاح له، أجبرته على تقليص عدد الجيش، وفرضت عليه عقوبات تجارية ، وأجبرته على فتح الحدود أمام المنتجات الأوربية. أصبحت فكرة بناء دولة قوية حديثة في مصر في خطر حقيقي لاعتمادها بشكل أساسي على الدول الأوروبية التي أصبحت تعادي محمد علي وتسعى إلى تحطيم دولته ومشروعه. وبمجرد وفاة محمد على أصبح مشروع النهضة كفكرة وكموضوع في خطر شديد. حيث رفض ابنه وخليفته عباس إكمال المسيرة، وحاول أن يقضي أيام حكمه بلا منازعات أو حروب، والأكثر من ذلك أنه أهمل المشروعات القائمة ولم يبدأ مشروعات جديدة، وطارد العلماء وأبعد بعضهم عن مصر، فتجمد مشروع النهضة إلى حين.

لقد كان محمد علي أسير طموحه الشخصي، فقد كان يريد بناء دولة لنفسه، وإمبراطورية باسمه. وكان هناك ارتباط وثيق بين الدولة الحديثة في مصر والإمبراطوية. بمجرد هزيمته وتقليص جيشه، أصبحت البعثات بلا معنى في وجهة نظره، كما تدهورت الصناعة بشكل كبير جراء ذلك. فقد كان اهتمامه ينصب بالأساس على الصناعات العسكرية والصناعات المغذية لها، بالإضافة إلى غزو البضائع الأجنبية للسوق المصري وما سببته من إغلاق للورش المحلية أو على الأقل أوقفت عملية تطويرها. كما كان محمد علي هو الصانع الوحيد، بمعنى أن عملية التصنيع برمتها تتم بإشراف الدولة لحسابه الشخصي وهو ما أدى إلى عدم المرونة في مواجهة المتغيرات، مما سبب انهياراً كبيراً في مجال التصنيع.

أما فيما يتعلق بالتجارة فقد كان هو أيضاً التاجر الوحيد حيث احتكر كافة السلع لحسابه الشخصي وكان عائد التجارة يصل إليه لينفق منه على مستلزمات الدولة بالإضافة إلى أنه كان تاجر رقيق وحظرت عليه الدول الأوروبية ممارسة تلك التجارة خاصة بعد هزيمته. ومن الواضح في ذلك الوقت إصرار الدول الأوروبية على عرقلة مشروعه وإجباره على فتح الحدود المصرية أمام السلع الأوروبية، ودخول التجار الأجانب إلى مصر بشكل متزايد.

بالإضافة إلى المشاكل المتزايدة في التجارة واجه محمد علي ما هو أخطر في المسألة الزراعية فرغم أنه اهتم بالزراعة وشق ترعاً جديدة وبدأ عمليات ضخمة في تنظيم الري، فاستقدم محاصيل جديدة أهمها القطن إلا أنه أيضاً كان المالك الوحيد للأرض وهو ما جعل العملية الزراعية برمتها في يد الدولة، والتي لم تستطع تنظيمها بالمرونة الكافية. ولجأ محمد علي إلى نظام الإلتزام الذي ساد أيام المماليك، وأصبحت مهمة الدولة هي تحصيل الضرائب بشكل قسري من الفلاحين.

ولم ينتبه محمد علي إلى أهمية التوسع في التعليم بشكل كاف وكان قد اعتمد على الهرم المقلوب حيث يأخذ طلبة الأزهر ويرسلهم في بعثات بأعداد قليلة نسبياً. لكن الأهم من ذلك كان بناء مدارس نظامية في أرجاء مصر، وأن يصبح التركيز الأساسي على العلوم الطبيعية لا العسكرية، وهو ما لم يحدث حتى بعد هزيمته العسكرية وانهيار مشروعه الإمبراطوري، ولم يتبقى سوى بعض المحاولات الفردية التي وضعت أساساً للمستقبل.

كانت الأزمة الحقيقية في مشروع محمد علي تكمن في الشكل السياسي للدولة، فبعد أن تخلص من أعدائه وأصدقائه معاً وانفرد بحكم مصر، أصبح ديكتاتوراً كرس إمكانيات الدولة لغاياته الشخصية دون مشورة من أحد. ورغم أنه كان يجتمع ببعض التجار وكبار علماء الأزهر إلا أنه لم يثق بأحد سوى إبنه إبراهيم. ولقد حاول محمد علي إجهاض أي محاولة لبناء سياسي، كان يمكن أن يوفر ركيزة لمشروع النهضة الذي تجمد فور وفاته.



View the
Original article

0 comments: