( 1- 2 ) صراع الحضارات

on Friday, October 19, 2012

عندما ظهر مصطلح العولمة في وسائل الإعلام وقاعات البحث والمنتديات السياسية والفكرية والثقافية، ثارت حالة من الجدل حول المصطلح وما يشير إليه في الواقع. فقد رأى البعض أن المصطلح يشير إلى بداية حقبة جديدة ونمط إنتاج جديد عالمي الطابع، لا يحتفي بالثقافات المتعددة ولا يعترف سوى بمنظومة ثقافية واحدة تسعى للهيمنة على العالم، وتعمل على محو غيرها من الثقافات. بالإضافة إلى ما قد يستتبع ذلك من استخدام القوة لفرض النمط الثقافي العالمي خاصة على شعوب العالم الثالث. بينما رأى البعض الآخر أن أن العولمة هي محاولة جادة للتقارب بين الشعوب ولبحث في المشترك بين الثقافات، واستغلال التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال من أجل خلق مزيج فكري وثقافي متناغم، قادر على تجاوز الثقافات القومية دون المساس بها.

وفي الوقت الذي دارت فيه نقاشات حول العولمة وتقييم إذا ما كانت محاولة لفرض نمط بعينه أم خلق حالة من التقارب بين الشعوب، ظهر كتاب صدام الحضارات للكاتب الأمريكي صامويل هنتنجتون. وهو مفكر معروف بقربه من دوائر الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وواحد من راسمي الاستراتيجيات للرئيس الأمريكي حينها جورج بوش.

لقد قسم هنتنجتون العالم إلى وحدات ثقافية كبيرة، واعتمد بشكل أساسي على الدين واللغة في تقسيمه. كما وضع خريطة جديدة للعالم ذات حدود ثقافية وحضارية ملتهبة وعلى وشك التناحر. كما توقع الكاتب أنالصراع القادم الذي ستشهده البشرية هو صراع حضارات بين الحضارة الغربية ( الولايات المتحدة الأمريكية وغرب أوروبا ) باعتبارها وحدة حضارية منسجمة ، وبين الحضارة العربية الإسلامية من ناحية، والحضارية الكنفوشيوسية في جنوب شرق آسيا من ناحية أخرى.

ولقد حاول المؤلف أن يبرر هذا الشكل الجديد من أشكال الصراع الثقافي والحضاري بانتهاء الصراعات السياسية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية. وأن الراسمالية قد أصبحت هي نمط الإنتاج الوحيد السائد على مستوى العالم، وبالتالي لن يكون هناك خلاف بين شعوب الأرض سوى الخلاف الحضاري. وافترض أن كل كتلة حضارية سوف تحاول فرض هيمنتها على الآخرين، وهم بالتالي سوف يقاومون بشراسة هذا الغزو الحضاري ، والنتيجة الحتمية لذلك هي الصدام الذي يمتد إلى إشعال الحروب.

وبما أن الغرب هو المتفوق حضارياً _ من وجهة نظره _ في هذه اللحظة التاريخية، وأن قيمه مؤهلة لتسود العالم، لأنها الأكثر واقعية وقبولاً، فأن هذا سوف يؤدي إلى تهديد الحضارات الأخرى. ومن ثم توجب على الغرب أن يستعد لدخول هذه المواجهة الجديدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وكأنه بذلك يصنع عدواً جديداً للغرب، لتستمر عمليات الحشد والتعبئة ضد العدو ( أي عدو ) من أجل استمرار الهيمنة الرأسمالية على المجتمع الأمريكي.

إن الخطاب الذي يقدمه هنتنجتون ينطوي على الكثير من التضليل والتعالي، والترير الزائف لمعارك قادمة تقودها الولايات المتحدة شرقاً وغرباً وهو ما حدث فعلا في مطلع الألفية الجديدة. وعندما نحاول تحليل العناصر المكونة للحالة الحضارية سوف نكتشف أن التطور التقني ليس هو المكون الأساسي لأي حضارة، وأن المنظومة القيمية والأخلاقية لا تختلف كثيراً من حضارة إلى أخرى. كما أن الكتلة الحضارية الغربية مكونة من مزيج من الثقافات وتحوي داخلها عشرات اللغات واللهجات والتقاليد المحلية التي استطاعت الانصهار معاً، فما الذي يمنع أن يتم هذا على مستوى العالم طالما نجح في أحد بقاعه. ومن ناحية أخرى، عندما ننظر إلى الكتلة الحضارية الإسلامية سوف نجد نفس الشيء. فهي وإن كانت موحدة على أساس ديني ففي داخلها اختلافات تاريخية ولغوية وثقافية ضخمة.



View the
Original article

0 comments: