الشطار والعيارين 2

on Sunday, October 28, 2012


علي الزيبق
كان أشهر اللصوص الظرفاء على الإطلاق هو على الزيبق المصري، فهو الوحيد الذي احتفت به الشعوب العربية، ووضعت له سيرة شعبية مستقلة. ورغم الاختلاف حول تاريخ مولده وهل هو مصري أم عراقي، لكنه بكل تأكيد شخصية حقيقية، أغلب الظن أنه ولد وعاش في بغداد ثم انتقل إلى القاهرة، وهناك مصادر تؤكد أنه تلميذ حمدي أو أحمد الدنف. وهناك من المصادر ما يشير إلى أن والده كان من اللصوص الظرفاء، هرب من بغداد واستقر في القاهرة وأنجب ابنه على من زوجة مصرية، وأن على كان يحاول الانتقام من مقتل أبيه من الدولة العباسية.

ويرجع السر في شهرة على الزيبق أنه لم يكن قاطع طريق يعترض قوافل الأغنياء بالقوة، بل كان يستخدم الحيل الظريفة في سرقة الأغنياء، وكان يوزع على الفقراء ويساعد المحتاجين مثله مثل باقي الشطار أو اللصوص الظرفاء. واسمه يدل على ذلك فالزئبق مادة مراوغة سهلة التشكل والتغير، وهذه هي الصفات التي اتسم بها على الزيبق، أو الصفات التي حاول كتاب السيرة الشعبية أن يصفوه بها. وبالطبع علينا أن نفرق بين علي الزيبق التاريخ والآخر الأسطوري. فالتاريخ يحدثنا أن شخصاً كان اسمه على الزيبق، وهو أحد لصوص بغداد المشهورين في ذلك الحين، وأنه كان يسرق في الأسواق، ثم خرج إلى البادية في انتظار القوافل لنهبها، ثم عاد إلى بغداد. وأن الفتن والاقتتال الداخلي، وتخلي قائد الشرطة عن مهام عمله، جعلت الخليفة المعتضد يستعين بعلي الزيبق في ضبط الأسواق وجباية الضرائب. أي أنه تحول من لص إلى رئيس الشرطة في مفارقة عجيبة، أثارت دهشة المؤرخين، وألهبت خيال كتاب السيرة الشعبية إلى أبعد مدى. الأهم من ذلك أن يستعين به الخليفة في حماية قصره وأملاكه.

من المثير حقاً أن تختلط الحقائق بالأوهام في حكاية على الزيبق. فهناك سؤال على هذه القصة: هل استعانت الدولة بالشطار لعجزها المطلق عن إدارة شئون البلاد وضبط حركة الأسواق وجباية الضرائب حقاً أم كانت مجرد محاولة لاحتوائهم وكف شرهم؟ ولماذا قبل علي الزيبق التعاون مع الدولة التي كان يعمل ضدها، بينما رفض حمدي أو الدنف هذا التعاون؟ لقد اختلف شكل التعاون في الحالتين ففي حالة ابن حمدي كان عليه ان يظل لصاً ويدف مبلغاً من المال للدولة، أما الزيبق فقد أصبح رئيساً للشرطة. ربما رأى أنه يستطيع مساعدة الناس في منصبه الجديد أكثر من كونه لصاً.

وتبقى حقيقة أن الفنان الشعبي رأى في ذلك نوعاً من الترقي السياسي والاجتماعي يستحق الاحتفاء، حيث أصبح أحد أفراد الشعب جزءً من السلطة، بعد أن كانت حكراً على مجموعة ضيقة من الإقطاعيين، أو الأتراك الذين مارسوا سطوتهم على الطبقات الشعبية بجبروت لا نظير له. كان صعود على الزيبق في حد ذاته انتصار للجماهير في المخيلة الشعبية. كما كان سبباً في شهرته التاريخية والفنية، فهو في النهاية لم يكن مجرد لص، وكان شديد الذكاء، يستخم الحيلة في السرقة و الهرب. كما كان يجيد فنون التنكر والتخفي والمراغة لدرجة أنه كان يخدع المحتالين والصوص الظرفاء أنفسهم.

لكن حكماً تاريخياً وأخلاقياً على شخصية على الزيبق هو عملية من الصعوبة بمكان، نظراً لندرة حضوره التاريخي، وكثرة المواقف والأحداث المتواترة عنه في السير الشعبية والمتضاربة في كثير من الأحيان حول مكان مولده وتاريخه، وإن كان مصرياً أم عراقياً. لكنني هنا أكتفي بحكم الشعب الذي نصب على الزيبق بطلاً شعبياً ومخلصاً، ورمزاً من رموز مقاومة الظلم ونصرة الضعفاء.



View the
Original article

0 comments: