التقدم والرجعية وقضية ‘تحرير’ المرأة

on Friday, October 19, 2012

هل سفور المرأة دليل على تقدمها وارتدائها الحجاب او النقاب برهان على تخلفها؟

ميدل ايست اونلاين
يهاجم البعض الإسلام لأنه يمثل – من وجهة نظرهم – “تخلفا” وعودة الى الوراء لأكثر من 1400 عام. أو باختصار هم يصفون المسلمين بأنهم رجعيين، والغربيين بأنهم متقدمين.

مثلا، يقولون هذا حين يتحدثون عن ثياب “المرأة العصرية” مقارنة بالحجاب والنقاب، وأمور اخرى كثيرة، من الصعب أن نتطرق إليها جميعا في هذه السطور المحدودة. وسنركز أكثر على ثياب المرأة، لان البعض يعتبرها مؤشرا على الرجعية والتقدم ومدى تحرر المرأة والمجتمع.

وقد استعانت احدى منظمات حقوق المرأة في مصر بحادثة، معتبرة أنها ضمن مشوار تحرير المرأة، وتقول: “كان سعد زغلول أول من نزع الحجاب عن المرأة المصرية، عندما دخل بعد عودته من المنفى الى سرادق المستقبلات من النساء فاستقبلته هدى شعراوي بحجابها، فمد يده ونزع الحجاب عن وجهها وضحك” (ملزمة أصدرها “ملتقى المرأة العربية” – القاهرة – فندق شبرد في الفترة من 22-24 مايو 2003، نظمه “المركز المصري لحقوق المرأة”).

من الأكثر رجعية؟

التقدم يعني أن نسير الى الأمام (أو في المقدمة)، فيما تعني الرجعية العودة الى الخلف (أو السير في المؤخرة).

السمة المميزة بين الزيين الغربي والإسلامي هي مدى ستر أو كشف جسد المرأة. تتسم الثياب الغربية غالبا بوصف جسد المرأة أو كشف أجزاء منه، بينما تتسم الملابس الإسلامية بستر جسدها من الشعر الى القدمين (مع جواز الكشف عن الوجه والكفين)، وينطبق الزى الإسلامي على كل ما لا يشف ولا يصف من الثياب.

ويقدر بعض العلماء عمر الإنسان على كوكب الأرض بملايين السنين، وقدره البعض بنحو 30 مليون سنة. كان الإنسان في بداياته الأولى على هذا الكوكب عاريا، وقد حاول ستر جسده بأوراق الشجر، وبمرور الوقت ومع تطور الحضارة الإنسانية، بدأ الإنسان في تغطية جسده شيئا فشيء. وستر الجسد هو الأحدث (تاريخيا) مقارنة بالعري الذي يعود الى ملايين السنين، وكان ستر الجسد من خلال ارتداء الثياب مواكبا للتحضر ولإدراك الإنسان لتأثير جسده (وخاصة جسد الإناث) وليس العكس.

والسؤال هنا: من هو الأكثر رجعية؟ هل هو الذي يعود الى 1400 عام، أم الذي يعود الى 30 مليون سنة؟ اعتقد أن الذي يعود الى ملايين السنين أو يكون أكثر قربا مما كانت عليه الصورة وقتها (من عراء للجسد) هو الأكثر رجعية. هذا لو اعتبرنا أن المقياس الصحيح هو الزمن، وفقا لما يستخدمه الكثير من منتقدو “رجعية” المسلمين، أو بتعبير أدق رجعية الأصوليين الذين يعودون الى أصل الدين.

أما إذا كان المقياس هو مدى الحرية، فإننا إذا ما رجعنا الى ما قبل الإسلام، فسنجد أن بنات سادة العرب، كن يرتدين ثيابا تستر أجسادهن بشكل كبير إذا ما قورنت بثياب الجواري اللاتي يستخدمن في تجارة الجنس، فالأخريات كن بحاجة الى إبراز مفاتن أجسادهن، لحكمة، وهي أن تلك الأجساد تعرض على أنها بضاعة بحاجة الى الترويج، وجذب للزبائن. أما بنات السادة فأجسادهن ليست متاحة للبيع، وبالتالي ليس من الحكمة عرضها، كما أنهن يجب أن يتميزن عن الجواري حتى يعرف الجميع أنهن من الأحرار.

وتعرية الجسد بهدف العرض للتجارة به، لازالت موجودة في عصرنا الحديث. ويمكن أن نرى في تركيا وفي الدول الغربية فترينات بها نساء عاريات يعرضن أجسادهن لجذب الزبائن الراغبين في الاستمتاع مقابل النقود. وفي واقع الأمر أن المرأة التي تعمل في تلك المحال، ليس لديها الحرية في تغطية جسدها خلال ساعات العمل، أي أن حريتها تكون مقيدة خلال تلك الفترة. وحين يأتي الوقت الذي يفك القيد عن حريتها فإنها تعود لترتدي ثيابها من جديد، وتستر جسدها مرة أخرى.

إذن تعرية الجسد أو كشف أجزاء منه ليست معبرة عن الحرية والحضارة والتقدم بالضرورة، وتغطية الجسد ليست قيدا للحرية كما يصور البعض. وتجارة “الرقيق الأبيض” في عصرنا هذا دليل آخر – أكثر حداثة ووضوحا – على انه حين تقيد حرية المرأة فعليا، تكون أكثر عرضة للتعرية، وأول شي ينتهك هو حرمة جسدها وحقها في الحفاظ عليه.

هذا كله ليس المقصود به توجيه إهانة الى النساء اللاتي يرتدين ثيابا غربية، أو انه محاولة لوصفهن بأنهن رجعيات أو لسن أحرارا (كما فعل بعضهن مع المسلمات المحجبات). لكن المقصود، أن وصف المسلمات بأنهن رجعيات لأنهن يرتدين ثيابا مصدرها تعاليم دينهن الذي نزل قبل 1400 عام، هو وصف غير صحيح، وإذا استخدمنا ذات المقياس (المدة الزمنية) سيصبح الثياب الغربي أكثر تخلفا ورجعية لأنه يرجع بنا الى ملايين السنين الى الوراء.

وإذا كان مقياس تحرير المرأة هو مدى ما تعريه من جسدها، فان هذا المقياس هو أكثر خطئا، لان التعري كان سمة الجواري، والفتيات اللاتي تم استعبادهن كـ”رقيق ابيض” في عصرنا الحديث، إضافة الى بائعات الهوى اللاتي يعرضن في فترينات وأجسادهن متاحة للإيجار في مقابل المال.

الأفضل أن تكون النظرة المتبادلة أكثر احتراما لحقوق وحرية الآخر، فالمرأة المسلمة اختارت أن تلتزم بتعاليم دينها، وسيحدث هذا حتى لو مر على نزول الإسلام 1400 مليون سنة، وليس عدة قرون. والمرأة الغربية حرة وغير ملتزمة بتعاليم ديننا، لأنها من الأساس لم تؤمن به. والمبادئ والقيم وكذلك التعاليم الدينية لا يجب أن تقاس بالفترات الزمنية، لان من يقيس بهذه الطريقة يوجهه إهانة للأديان الأخرى، وليس الى الإسلام الذي يعد أحدثها، فمثلا، نحن لا نقبل أن يهان الدين المسيحي لأنه نزل قبل 2000 عام، واليهودية التي أتت من قبل اكثر من 3000 عام.

About the author



View the Original article

0 comments: