سنتمم بمقالنا هذا ما بدأناه في مقالتين سابقتين خصصناهم في الحديث عن مسألة تعدد الزوجات في الاسلام. كنا قد تركناكم في نهاية المقال السابق مع تأملات في تفسيرات الاولين ، والان تعالوا لنتأمل في قراءة الايات ونتدبر السياق الذي اتت فيه ونحاول فهمها وارجو من القارئ ان لايبادر الفكرة التي تخالف ما يألفه بالانكار فقد يجد في معني هذه الايات ما يؤكد خلاف ما عهده وحفظه.
الان تأملوا ثانية في معني الايات وسياقها ، دققوا جدا في قراءة الايات في سياقها التي اتت فيه. لا تقللوا من انفسكم في قدرتكم علي ادراك المراد الالهي من هذه الايات فأنتم تستطيعون كما استطاع واجتهد الاوائل. تذكروا انكم احباب الرسول صلي الله عليه وسلم فقد احبكم لانكم صدقتم رسالته ولم تروه ولم يكن بينكم وانتم تواجهون الفتن. تذكروا ان اسلافكم كانوا لا يحصلون من العلم خمس ما تعرفون انتم بحكم تراكم الخبرات وتحسن طرق التعليم عن السابق ومع ذلك اجتهدوا كثيرا واستطاعوا بما حصلوه من علم ان يحققوا الكثير. الايات جاءت في سياق حديث كامل عن حقوق الايتام من النساء، والحديث كان يخصهم دون غيرهم ، والاية التي قالت بتعدد الزوجات حددت ذلك باليتامي من النساء الذين فقدوا من يعولهم من اباء او اخوة. والمعني ان التعدد لم يتجاوز هذه النساء لدونهم بشكل عام. ومن هنا نقول ان تعدد الزوجات أقره الاسلام بشروط وأهمها ان تكون الزوجة الثانية الثالثة والرابعة يتيمة ، والشرط الثاني هو تحقيق الرجل للعدل بين زوجاته قدر المستطاع ، وقد صعب الشرط الاخير وقيده حتي تخلص الامة من تعدد الزوجات الذي كان سائدا في مجتمعات ماقبل الاسلام لأن الاسلام وعلوم النفس والاجتماع قالت كلها ان العدل بين الزوجات من المستحيلات تقريبا واكدت الاية القرانية هذا المعني بقوله تعالي “ولن تعدلوا ولو حرصتم” أي حتي مع حرصكم واخلاصكم في تحقيق العدل بين زوجتين او اكثر ستجدون في ذلك صعوبة كبيرة تصل لحد الاستحالة فعلا.
لو فكرتم في الكيفية التي يضبط بها الدين الاسلامي للمجتمعات تجدها في منتهي الذكاء. فالاسلام دين أممي عالمي فعلا وليس دين اقلية او نزل لأمة دون غيرها. جاء بالحق والحق يدرك في ذاته لا لقول الناس له كما قال ابن النفيس رحمه الله. يقول احد الائمة الكرام ان الاتاحة التي يقدمها أي نص لتأويله وتفسيره بأكثر من اتجاه ومنحي يؤكد حيوية النص وقدرته المدهشة علي تعميم الخطاب لكل أمة ولكل زمان ومكان. الاسلام دين عميق وقد اشار الينا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم بذلك واوصانا ان نوغل فيه برفق ، وقال في حديث اخر ما معني ان الغلو في هذا الدين يغلب الانسان ولا يرشده. اليهودية قالت بتعدد الزوجات ، والمسيحية قالت بعكس ذلك فحددت الزواج بواحدة وبعض كنائسها تحرم الطلاق الا لعلة الزنا الثابت وقوعه بشهود، أما الاسلام فقال بتعدد الزوجات المحدود بأربعة زوجات ولكن قنن الموضوع بشروط واجبة التحقيق والا يسائل المرء امام ربه علي عدم التزامه بها. لو ادركنا هذا المعني لفهمنا القيمة من ختامية الرسالة المحمدية وهبوط الوحي المباشر حاملا لأيات القران بكلام الله عز وجل حتي يكون النور الذي يهتدي به واليه جميع البشر.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment