احيانا افكر في امر يشغلني كثيرا وانا اراجع بذاكرتي كم الفساد الذي حاق بمصر خلال عهد مبارك وخاصة في الفترة التي سبقت خلعه من الحكم بثورة شعبية مجيدة في 25 يناير 2011م. تأخذني الافكار احيانا الي ان العيب في الاختيارات فهو والمسئولين الكبار كانت اختيارتهم سيئة وغير موفقة فكان الاختيار يطال الموظفين والمسئولين الاكثر فسادا بطبيعتهم، واحيانا اقول لنفسي وهل يريد احد لنفسه الفشل؟ ويريد لدولته ان يعيث فيها الفساد ويضرب اركانها وبالتالي يكون حكمه مهزوز وشبه منهار ونظامه هش هكذا؟ فأفكر في احتمال اخر وهو ان هناك خلل ما في عملية الاختيار نفسها. أي ان من يختار ويقوم بعملية الترشيح للشخص الذي يتولي مسئولية ما هو شخص او مجموعة اشخاص غير فاهمين وواعين لمسألة الاختيار الصحيح وبالتالي هم غير موفقين في اختياراتهم او اغلبها علي الاقل، ولكن المسئولين عن الاختيارات ليسوا هم انفسهم علي الدوام في طوال عهد مبارك فقد ظل في الحكم ثلاثون عاما والفساد بدأ معه من حيث ابتدأ وليس قبل النهايات كما يظن البعض، وان كان نتقل ما ميز النهايات ان الاعلام الذي صار فيه مساحة حرة اكبر انتزعت بفعل الحداثة والزمن ليس بفضل النظام طبعا، فقام الاعلام بكشف الوجه القبيح للنظام بشكل اكبر. مثل الطب عندما تطور وكشف عن امراض كثيرة كان يموت الناس بها دون ان نعرف السبب فكنا نحسب ان الامراض غير موجودة في الماضي مع انها كانت اكثر واكثر توحشا لاننا لا ندرك خطورتها.
واعاود واقول ان الاحتمال الاكبر لهذه المسألة هو ان النظام نفسه كان يحمل من الثغرات ومن النوافذ القبيحة ما يسمح لكل انسان ان يكون في عرضة للفساد الا من رحم ربي، ولذلك تجد الوزير مثلا لم يكن عليه شائبة قبل ان يتولي الوزارة وما ان يتولاها يبدأ في التعرف علي ادواته فيجد في مكتبه هذا كل ما يدفعه لاستغلال تلال الصلاحيات التي بيديه، ويجد عشرات المسئولين الكبار في الاجهزة المختلفة لديهم الاستعداد لتقبيل كلتا يديه وقدميه حتي يرضي، والنفس البشرية ضعيفة قد يرضيه البعض افعال كهذه وتزيده احساسا وانتشاءا بنفسه وتعجبه نفسه ويترك لها المجال، فيفسد المسئول.
وعندما تتأمل في وزراء انتقلوا من وظيفتهم في نظام بائس الي وظيفة مرموقة في منصب دولي تدرك خطورة هذه المسألة، فتجد مثلا من ضمن وزراء عهد مبارك محمود محي الدين وكان يشغل وزير الاستثمار في حكومة احمد نظيف، تجده تدور حوله الكثير من الحوارات عن فساده مع من فسدوا، وعندما انتقل للعمل في منصب نائب المدير في البنك الدولي وهو احدي المؤسسات الكبري في الامم المتحدة، لن تسمع عنه ما يشير مجرد الاشارة بفساد حتي من النوع البسيط، لماذا؟
لانه الان يعمل في اطار نظام منضبط يكفي ان يضع كل مسئول امام واجباته ومسئولياته ويعطيه كامل حقوقه بشكل لا ولن يسمح لاي موظف مهما كانت درجته ان يحيد قيد انملة عن هذا النظام، بل يجبره هذا النظام ان ينطوي طواعية تحت اجنحته لانه في هذه الحالة فقط سيجد النجاح لانه يشارك في اطار منظومة عمل جماعي وليس عمل فردي، نظام لامركزي وغير متمركز حول فرد واحد يقود العمل في وزارة او في حكومة. هذا في اعتقادي هو سر تقدم كل هيئة دولية او حكومة في بلاد العالم اجمع، وهو السر فيما اعتقد في الفساد الذي لم يتغير في النسق الحكومي المصري حتي بعد قيام الثورة في يناير 2011م، لان نسق النظام هو هو لم يتغير ولا اعتقد ان الفساد يعد مشكلة لنظام جماعة الاخوان، هم يعنيهم اشياء اخري.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment