إن من ينظر حوله في أمور الدنيا وأمور الناس يجد أن الناس يمرون بالكثير من المتغيرات، وتصيبهم المصائب والبلايا، وأن نفوس الناس أصبحت بحاجة دائمة إلي ما يطفئ ظمأها، ويجلو به صدأها، فهي أحوج ما تكون إلي شهر كريم، تفتح فيه أبواب الرحمة وتعلق أبواب النار، بحاجة إلي شهر رمضان الكريم. هذا الشهر الذي يتخلص فيه الناس من همومهم وتعبهم، ويتقربون ويتعبدون إلي الله في كل وقت. إن هذا الشهر الكريم هو لأصحاب القلوب الحية صائمون قائمون خاشعون قانتون شاكرون على نعن الله، صابرون على الشدة والبلاء، لا تنبعث جوارحهم إلا بموافقة ما في قلوبهم، تجردوا من الغش والهوى و حب الدنيا، تمسكوا بالآخرة ويعملون لها.
ومع استهلال شهر رمضان ودخولنا في جو الطاعة والعبادة والصلاة، فلابد للإنسان أن يقف مع نفسه وقفه صادقة متأنية، وأن يعتبر مما طوت الأيام من صحائف الماضيين، فكل نفس من أنفاس العمر معدود، وكل في كتاب مكتوب، فيقول الله تعالى في كتابه العزيز: ” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ” (آل عمران:30) صدق الله العظيم. فمن تأمل فيما حوله، وجد أن الله يخطف الأرواح من أجسادنا، وهي راقدة في منامها، وهي تمشي في طرقاتها، يخطف الروح ونحن نعمل، يأخذها من غير إنذار أو إشارة، فقال تعالى: ” إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ” (يونس:49) صدق الله العظيم.
وإن الدنيا دائما يتغير حالها، تبكي من يضحك، وتضحك من يبكي، وتخيف الآمن، وتؤمن الخائف، وتفقر غنيا، وتغني فقيرا، تتقلب بالناس ولا تبقي أحد على حال. ولا يعرف حقيقة الدنيا بصفوها وكدرها، وزيادتها ونقصها ، إلا من يحاسب نفسه دائما. فمن أحسن في ليله كافأه الله في نهاره، ومن أحسن في نهاره، كافأه الله في ليله، ومن أردا أن يحظي بالآخرة فعليه أن يتقي ربه في كل شيء. فالمسلم يجب أن يكون صاحب قلب حي، يغدو ويروح، يصبح ويمسي، وفي أعماقه حس ومحاسبة لدقات قلبه، وسمع أذنه، وحركه يده، وسير قدميه، يسبح دائما بقدرة الخالق الحكيم، ويتغفر عما يصدر منه من هفوات قد يغفل عنها.
وأالمسلمون أصحاب القلوب الحية والضمائر اليقظة يجتمع لديهم حسن الأخلاق مع صدق الأدب، يجتمع لديهم صفاء ونقاء النفس مع حسن ظن العقل، هم البريئة أيديهم، الطاهرة صدورهم، المتحابون في الله دون أي مصالح أو منافع. هم من يغضبون لحرمات الله، هم الأمناء إذا ائتمنوا، العادلون إذا حكموا، الوافون بوعودهم إذا وعدوا، الفاعلون الجادون إذا عزموا على فعل شيء. ولا عجب في أن طهارة مثل هذه القلوب لا تقف عند هذا الحد فحسب، بل إنهم إذا رأوا أذى أو بلاء يلحق أحدا من المسلمين، نجده يأسف له، ويدعو له بالفرج والغفران من الله. ويحب أن يردد دائما في حال نفسه الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به غيري وفضلني على كثير مما خلق تفضيلا.
ونحن في رمضان نكون في أشد الحاجة إلي نقاء القلب وطهارته، وإزالة ما علق به من شوائب الحياة الدنيا، فديننا الحنيف يتحسس نفوي العباد بين الوقت والآخر، ليطهرها مما أصابها، وليزكي فيها المشاعر النبيلة النقية التي خلق الإنسان عليه بالفطرة. فإن المسلم الذي يتسع صدره للناس ويشفق عليهم ويتمني لهم الخير، يلاقى القبول والمحبة من كل من حوله، لأنه لا يعرف لحب النفس سبيلا، له قلب نقي سليم فيه حلاوة ولذة لا يعرفها إلا من تذوقها.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment