إن هذه العشر الأخيرة من رمضان فرصة حقيقية لاختبار النفس فى التغيير نحو الأفضل والأحسن ، ليس من الصعب بتوفيق الله تغيير النفس وقطعها عما اعتادته لمن أخلص نيته و صدق فى عزيمته . وإن من الدلائل على التغيير ومظاهر الهمة وقوة العزيمة وضبط الإرادة فى هذا الشهر شهر الصبر، الاجتهاد فى العمل والإحسان فى هذه الأيام العشر تأسيا بالقدوة والأسوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جعل رمضان كله فرصة للاجتهاد كما خص العشر الأخيرة منه بإجتهاد أكبر ، تقول عائشة رضى الله عنها : “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فى رمضان مالا يجتهد فى غيره وكان يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيرها” .
وتسمو الهمة ويتجلى التوجه نحو التغيير حينما يجتهد العبد ليفوز بإدراك ليلة القدر، فيعمل ويتحرى فتسمو النفس وتعلو الرغائب للوصول إلى أسمى المراتب وأعلى المطالب ، توبة وإقلاع وعزم على الإصلاح والإحسان وتأملوا هذا الحديث العظيم وما فيه من الحث ووقفات المحاسبة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له ” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. أروا الله من أنفسكم خيرا، صيام نهار وقيام ليل واعتكاف وقراءة قرآن وذكر وصدقات ودعاء ومحاسبة ومراجعة وندم وتوبة وعزم على فعل الخيرات ” يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر ” .
أيها الصائمون فلحكمة عظيمة جاءت آية الدعاء فى ثنايا آيات الصيام ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186) صدق الله العظيم، ولحكمة عظيمة وسر بليغ ختمت آيات الصيام بهذه الآية الواعظة ” تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ “(187 ، البقرة) صدق الله العظيم . فإن شهر رمضان موسم عظيم من مواسم الخير وزمن شريف من أزمنة النفحات يغتنمه الأتقياء الصالحون للإستزادة من صالح العمل ويلقى بظله الظليل على العصاة الغافلين والمقصرين، فيتذكرون ويندمون ويتوبون، فالسعيد السعيد من كان شهره مجدا للعزم والطاعة وحافزا للتمسك بحبل الله وفرصة للتزود بزاد التقوى، حاديه فى ذلك وسائقه فىه همة عالية ونفس أبية لا ترضى بالدون من العزم والعمل .
لذوى الهمم العالية وطلاب الكمالات أن يعرفوا الطبيعة البشرية والضعف الإنسانى “وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ” ( النساء 27، 28 ) صدق الله العظيم . إن من الخطا أن ينزع الرجل إلى خصلة شريفة من الخير حتى إذا شعر بالعجز عن بلوغ غايتها انصرف عنها والتحقق بالطائفة الكسولة التى ليس لها همة فى هذه الخصلة ولا نصيب، ولكن الطريق الصحيح ونهج الحكمة ومنهج السعادة أن يذهب فى همته إلى الغايات البعيدة، ثم يسعى لعا سعيها ولا يقف دون النهاية إلا حيث ينفذ جهده ويستفرغ وسعه.
واعلموا أن إدراك هذا الشهر والإحسان فيه نعمة عظيمة وفضل من الله كبير لا يحظى به ولا يوفق إلا من منّ الله عليه بجوده وإحسانه وفتح عليه أبواب الخيرات فتنافسوا رحمكم الله فى الطاعات وازدادوا من الصالحات وجدّوا وتحروا ليلة القدر وتعرضوا لنفحات ربكم . تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات إنه سميع مجيب .
View the Original article
0 comments:
Post a Comment