تعددت مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، وشملت المسلمين وغير المسلمين، واتسعت للأصدقاء والأعداء، وشملت الحر والعبد، وامتدت إلي الكبار والصغار، وشملت الإنسان والحيوان. ولم تفارق الرحمة النبي صلى الله عليه وسلم في أي وقت من الأوقات، فقد كانت في فطرته وطبيعته حتي مع المشركين من قومه، ولم يدع عليهم حين قيل له: ادع عليهم يا رسول الله، فقال: ” إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة “، وكان يردد دائما: ” اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون” . وقد وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بالرحمة والرأفة، وذلك في قوله تعالى: ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” (سورة التوبة:128) صدق الله العظيم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح على رؤسهم. وامتدت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم لتشمل احيوان، فقد أكل يوما تمرا في يمينه، فحفظ النوى في يساره، فمرت شاة، فأشار إليها بالنوى، فتأكل الشاة من كفه اليسرى وهو يأكل باليمنى، حتى انتهى، فانصرفت الشاة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما بالضعفاء، فمن مواقفه في ذلك أنه مر يوما بإمرأة وكان قد قتلها خالد بن الوليد، والناس مزدحمون عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ فقالوا: إمرأة قتلها خالد بن الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: “أدرك خالد فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا، أو إمرأة”. فكان الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا يحتذى به في الرحمة والرفق بالبشر أجمعين.
وكثيرا ما أمر رسول الله بالرحمة، وكثيرا ما نهى عن القسوة، وكان له الكثير من المواقف التي تدل على رحمته، فقد قال النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من لم يرحم صغيرنا، ولم يعرف حق كبيرنا فليس منا”، وقال أيضا: “خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر” صدق رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن أجل الرحمة أرسل رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرحمة في أخلاق النبي فطرة وتربية إلهية وتوجية رباني. فكان هدف رسالة النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقصد دعوته هو الرحمة، فقال تعالى في كتابه العزيز: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (سورة الأنبياء:107) صدق الله العظيم.
وإن الرحمة تعتبر جوهر الإسلام، وبها نزل الدستور السماوي، فقال تعالى: ” وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ” (سورة الإسرء:82) صدق الله العظيم. فالرحمة مشتقة من الرحم وهو القرابة وأسبابها، وأصلها جميعا الرحمة، وهي العطف والحنان والرفق والشفقة واللين. والرحمة من صفات الله عز وجل، فهو القائل: ” إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ” (سورة الأعراف:56)، ويقول أيضا سبحانه وتعالى: ” وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ” (سورة الكهف:58) صدق الله العظيم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيم أيضا مع أصدقائه، وكان يفضلهم على نفسه، فقد يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، فإن رفض أن يأخذها عزم عليه حتي يفعل. وكان يدعو أصحابه بألقابهم، إكراما لهم وإستمالة لقلوبهم، وكا أكثر الناس تبسما وضخكا في وجود أصحابه. وكان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأ بالمصافحة، ثم يأخذ بيده فيشابكه، ثم يشد قبضته عليها. ولم يكن يمد رجليه بين اصحابه أبدا ، حتى لا يضيق بهما على أحد، إلا إذا كان المكان واسعا.
View the Original article