الإسلاميون وإعصار ساندي

on Saturday, November 3, 2012


في عام 1991 ضرب مصر زلزال عنيف، خلف الكثير من الضحايا على المستوى المادي والبشري. وكانت هناك بعض الأصوات ترى أن ما حدث انتقام إلهي من نظام حسني مبارك، لدرجة أن الرئيس المصري صرح في ذلك الحين أن الزلازل تحدث في كل مكان. وصور بعض الموالين له أن الأمر قضاء الله وأن الظواهر الطبيعية ابتلاء للمؤمنين. وهو ما يعتبر استغلال لحدث طبيعي في سياق سياسي. بالطبع رجال الأعمال من أصدقاء مبارك الكارثة الطبيعية إلى كنز من الفرص الاستثمارية، واستفاد رجال النظام من المساعدات المادية والعينية التي تلقتها الحكومة من دول العالم دعماً لها في مواجهة الزلزال.

ومع اعصار تسونامي الذي أضر دولاً إسلامية، سعت القوى السياسية الإسلامية إلى حشد الجهود الإنسانية وجمع التبرعات وإرسال المساعدات إلى الدول المتضررة. لم يتحدث شيوخ السلفيين حول انتقام إلهي من تلك الدول الكافرة أو المؤمنة. إذ ليس هناك فائدة من استثمار الأزمة سياسياً. وعندما نشرت صحيفة دانيماركية رسوماً مسيئة للرسول، هاجت الدنيا وماجت، وفي ذلك الوقت انتشرت دعوات واسعة لمقاطعة البضائع الدانماركية، بما فيها الإنسولين الضروري لمرضى السكر. وكانت وسائل الإعلام ترعى حملة المقاطعة بشكل كبير. كما قامت صحف فرنسية بإعادة نشر الرسوم وشنت حملة على العالم الإسلامي، لكن نفس القنوات والقوى السياسية لم تتحرك لفرض مقاطعة على البضائع الفرنسية أو الأمريكية إلى المنطقة بعد الفيلم المسيء للرسول، لأن العلاقات السياسية والتجارية التي تربط الولايات المتحدة بالدول العربية وبعض رموز الحركة الإسلامية قوية وعميقة ويمكن أن تتأثر إذا ما حدثت المقاطعة، كما هو االحال بدرجة أقل مع فرنسا.

لو أن كارثة طبيعية ضربت الدانيمارك فور نشر الرسوم المسيئة للرسول لتحرك البعض وأكدوا على أنها انتقام إلهي، لكن كارثة طبيعية لم تحدث هناك، ولم تتوقف عن الحدوث في دول أخرى لم تتعرض للرسول. ولم يهتم بها الشيوخ أو يقدموا تحليلاً لسبب حدوثها.

الأهم في هذا السياق، أن التعامل مع الشعوب ككتلة واحدة منسجمة هو تعامل مضلل وغير دقيق، لا يختلف كثيراً عن التعامل مع الكوارث الطبيعية على أنها انتقام إلهي لغرض معين. فأذا نشر صحفي ما رسوماً تتعرض للرسول فإنه قد أخطأ وتجاوز حد حرية التعبير إلى التعرض لمعتقدات الآخرين، لكن الإدانة يجب أن تكون لهذا الشخص وليس لشعب بأكمله. ويمكن أن نقبل إجراءات انتقامية من حكومة لم تحترم حق الغير في عدم المساس بمعتقداتهم. لكن أن نرى أن أي كارثة تحل بذلك الشعب هي انتقام، يعوض العجز والفشل في الدفاع عن النفس هو كارثة على مستويات عدة. وكذلك التمييز بين الحكومات القوية والضعيفة في تطبيق الإجراءات الانتقامية مثل المقاطعة التجارية. فلو نشرت أحد الصحف شيئاً يتعرض للرسول في دولة ضعيفة عسكرياً، لكان حديث الشيوخ عن الحرب مع هذه الدولة وارداً.

الفكرة ترد بالفكرة، والحديث يرد عليه بالحديث، والمنطق يجب أن يحاوره منطق. والضعف أو العجز يحتاج إلى اعتراف به من أجل علاجه، ليس التمادي فيه وانتظار المعجزات، أو تبرير ما يحدث على أنه معجزات. فالزلازل تضرب المنطقة الواقعة في نطاق ما يسمى حزام الزلازل منذ ملايين السنوات، والأعاصير تضرب أمريكا الشمالية حتى قبل ظهور الولايات المتحدة. والاعتراف بالظواهر الطبيعية ليس كفراً كما روج بعض الشيوخ. بالمد والجزر ودوران الأفلاك وشروق الشمس وغروبها هي من نواميس الكون، أي ظواهره الطبيعية.

وأخيراً ليس من المهم أن تدرك أنت أن الإعصار انتقام إلهي، بل أن يدركوا هم وغيرهم، حتى لا يكرروا ما فعلوا. وقد علمتنا التجارب أن أوهامنا على تغير الواقع. وأن الولايات المتحدة لن تغير من سياستها لأن إعاصراً ضربها. خاصة أن حجم الخسائر البشرية أقل من ضحايا واحدة فقط من المستشفيات الحكومية في شهر واحد. كما أن الذين تسابقوا في الحصول على رضا الولايات المتحدة سياسياً هم من يهاجمون الشعب الأمريكي على المستوى الإنساني، وتلك مفارقة عجيبة.



View the
Original article

0 comments: