كان الأزهر منارة للعلم والمعرفة الدينية والدنيوية عبر تاريخه الطويل، وكان وجوده في مصر حافظاً للتراث الإسلامي في عصر الجهل والخرافة الذي ساد في ظل حكم المماليك والعثمانيين لقرون طويلة، روجوا فيها للخرافة من أجل السيطرة على الشعب المصري. لكن دور الأزهر التاريخي المحفوظ له هو ما قام به شيوخ الأزهر إبان الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وحتى عام 1801.
كان تحدياً كبيراً للأزهر، استطاع أن يواجهه بنجاح، وبرز شيوخ الأزهر كقادة للنضال الوطني ضد الاحتلال مثل الشيخ عم مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ السادات والشيخ القويسني وغيرهم من الشيوخ الذين حولوا الأزهر إلى قلعة نضال جماهيري. بعد أن هرب المماليك والعثمانين الذين طالما أهانوا الشعب المصري ونهبوا ثرواته. قاد شيوخ الأزهر ثورة القاهرة الأولى والثانية ضد الفرنسيين، ووقائع الثورتين خطيرة. حيث شهدت سطوع الروح الوطنية، وقيام الشعب المصري بالكفاح المسلح بأدوات بسيطة ضد القوات الفرنسية، مما دفع قادة هذه القوات إلى اقتحام الأزهر الشريف وتدنسيه بالخيول لكونه مركز الثورة وقلبها ومحركها. كما طارد الفرنسسين شيوخ الأزهرو حاولوا التخلص منهم لوقف حركة المقاومة.
ولقد حاول نابليون بونابرت التقرب إلى شيوخ الأزهر، وهناك أقاويل أنه أعلن إسلامه ليتقرب من المصريين عامة ومن شيوخ الأزهر بشكل خاص. ولقد عرض نابليون على علماء الأزهر إنجازات العلم الحديث في المجمع العلمي الفرنسي، وطلب من شيوخ الأزهر مساعدته في حكم البلاد من خلال تأسيس مجلس نيابي، كما عرض عليهم المناصب الإدارية العليا. ورغم انبهار شيوخ الأزهر بالتجربة الفرنسية، وإعجابهم الذي ظهر في تاريخ الجبرتي بالعلم الحديث، إلا أنهم رفضوا التعاون مع نابليون، وحشدوا الشعب المصري ضد الاحتلال الفرنسي.
كانت التحدي الكبير الذي واجه شيوخ الأزهر بعد رحيل الفرنسيين هو صياغة شكل الحكم في مصر، والتفاوض مع السلطان العثماني على اسم الحاكم القادم. ورفض شيوخ الأزهر خورشيد باشا الحاكم الجديد في سابقة هي الأولى من نوعها، كسرت هيبة السلطان العثماني وأجبرته على احترام إرادة الشعب المصري ممثلة في شيوخه الأجلاء. ثم حدث ما هو أخطر، حيث قرر شيوخ الأزهر اختيار الحاكم الجديد لمصر، وتمكينه بقوة الأمر الواقع من الحم وهو محمد علي الذي أظهر الولاء للأزهر والاحترام لشيوخه.
ورغم أن محمد على خدع شيوخ الأزهروأراد الانفراد بالحكم، وبدأ فور توليه التخلص من الشيخ عمر مكرم وبعض شيوخ الأزهر، إلا أنه لم يجد سوى هذه المؤسسة ليعتمد عليها في تحقيق مشروعه وبناء مصر الحديثة. فكانت أول بعثة إلى الخارج من طلبة الأزهر الذين ذهبوا إلى أوروبا وعادوا بعد سنوات قلائل بمعرفة ضخمة ، ساهمت في نهضة مصر بشكل حقيقي وسريع.
وهناك دور كبير للشيخ حسن العطار في توجيه دفة الأمور أيام محمد علي، فهو الذي اقترح البعثات إلى فرنسا وأقنع محمد علي بضرورة الاستعانة بالعلم الحديث لبناء دولة قوية. وكان الأزهري رفاعة الطهطاوي ينقل التجربة الفرنسية في الحكم والسياسة إلى شيوخ الأزهر، ولكنهم فشلوا في فرضها على محمد على.
وبالطبع لا ينسى أحد المشاهد الرائعة أثناء ثورة 1919 حين خرج طلبة الأزهر خلف شيوخهم والتحموا بالقسس ورفعوا شعار عاش الهلال مع الصليب. هذه مشاهد من التاريخ يجب أن نضعها نصب أعيننا ونحن نشكل مصر ما بعد الثورة، في ضوء صعود تيار الإسلام السياسي إلى الحكم، وظهور الأفكار والآراء المتطرفة على الساحة السياسية والمجتمعية، والتي تهاجم الأوهر بشكل متكرر وتنتقص من قدره، في سبيل فرض هيمنتها على المجتمع.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment