هناك أنواع متعددة للحركات الشعبية ضد السلطة الحاكمة، هدفها في الغالب اجتماعي وليس سياسياً، ولكن التمييز بين السياسيي والاجتماعي صعب في الواقع لأن الحركات الشعبية لا تمتلك من يعبر عنها، وقد تستخدم القوى السياسية تلك الحركات وتعطيها بعدأ سياسياً خالصاً أو تتجمع المطالب السياسية والاجتماعية.
الهبة الجماهيرية هي أقل حجماً وتأثيراً من الثورة، وتكون عفوية تماماً دون أدنى ترتيب أو تخطيط، وغالباً ما تكون رد فعل لقرار أو إجراء قامت به الحكومة. ولا تمتلك الهبة الجماهيرية قيادة شعبية أو سياسية، وهو ما يجعل استمرارها صعباً. وفي الغالب تخضع الحكومات من أجل تهدئة الغضب الجماهيري، فتعود الجماهير إلى بيوتها. وهنا يكمن الفارق الجوهري بين الثورة والهبة الجماهيرية التي تكتفي ببعض التغيرات في السياسات التي تنتهجها الحكومة، أو النظام السياسي ككل. دون التأثير على بنية هذا النظام بشكل جدي.
في الهبة الجماهيرية المصرية في نهاية السبعينات، المعروفة بانتفاضة 17 و18 يناير، خرجت الجماهير غاضبة في الشوارع والميادين فور الإعلان عن زيادة في الأسعار، خاصة سعر الخبز. كانت المظاهرات عارمة، وقامت أجهزة الأمن بإحراق بعض المحال وتحطيم السيارات لتبرير استخدام القوة. لكن القوة لم تكن كافية لوقف التظاهرات، حيث صاحبها تراجع الحكومة عن قراراتها برفع الأسعار. لكن النظام السياسي والاجتماعي لم يتأثر بتلك الهبة التي جاءت نتيجة تراكمات كثيرة تحولت في النهاية إلى رد فعل غاضب. استطاع النظام احتوائه في أيام قليلة.
أشكال الاحتجاج الشعبي
أما الثورة السياسية فهي أوسع نطاقاً على المدى الزمني والانتشار الجغرافي وعمق المطالب. فهي تأتي بعد تراكمات عميقة ويأس من قدرة النظام على التغيير، مما يدفع الجماهير للخروج لرفض النظام إجمالاً. وخروج الملايين إلى الشارع يعني قطيعة مع النظام ورغبة في الإطاحة به، دون معرفة الطريقة. وفي الغالب تنتهي الثورة السياسية بالإطاحة بالنظام السياسي دون المساس بقواعده الاجتماعية، وشبكة المصالح التي يحميها. ويكون التغير في الأشخاص وليس في السياسات. وقد حدث في إندونسيا وتونس ومصر أن تغييرت الطبقة السياسية الحاكمة مع استمرار نفس السياسات دون تحسن ملحوظ في حياة الناس ولا تنفيذ حقيقي للمطالب التي خرجوا وضحوا من أجلها. لقد خرجت الجماهير في مصر وتونس احتجاجاً على فساد النظام وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، وتدني الخدمات بشكل كبير. وما يحدث الآن في البلدين لا يدل على تغير في مستوى الخدمات، ولا انخفاض نسب الفساد والبطالة والفقر. لأن الثورة السياسية تهدف إلى تغيير من يحكمون وليس تغيير طريقة الحكم. وهي بالطبع ليست غلطة الجماهير، ولكنها بسبب انتهازية القوى السياسية التي تحاول القبض على مقاليد الحكم دون أن يكون لديها خطة جذرية لتغيير حياة الناس.
غالباً ما تنتهي الثورة السياسية بإحباط جماهيري عام، وتخبط بين القوى الثورية، حيث يظهر نظام جديد مازال يتمتع بجماهيرية ويطلب المزيد من الوقت للإصلاح، ويمر الوقت دون جدوى حقيقية. فالفساد في عهد مبارك لم يتغير. يعرف هذا كل المصريين حين يشاهدون عساكر المرور يطلبون الرشوة من السائقيين كما كان يحدث في عهد مبارك. وبالأمس دهس قطار أتوبيس يحمل أطفالاً بسبب الإهمال في صيانة السكك الحديدية، وهو مشهد تكرر من قبل أيام مبارك، تكاد التفاصيل تتطابق. لقد حاول عمال السكك الحديدية منذ شهور الإضراب من أجل إصلاح المعدات المتهالكة، وأرسل عمال المزلقان خطاباً منذ شهرين لإصلاحه دون جدوى.
الشكل الثالث والأخير من الاحتجاجات الجماهيرية هو الثورة الاجتماعية التي لا تكتفي بتغيير من يحكمون، بل ويغييرون أيضاً طريقة الحكم، والعلاقات الاجتماعية القائمة بشكل جذري وشامل، من أجل حياة أفضل للجماهير.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment