إن التلبية من شعار الحجاج منذ نادى ابراهيم في الناس بالحج ممتثلا قول الله تعالى: ” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ” (الحج: 27) صدق الله العظيم. فلقد كان العرب في الجاهلية يحجون ويلبون، ولكنهم يلبسون حجهم وتلبيتهم بما كانوا عليه من الشرك بالله فيقولون: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك”. وجاء النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ليعلن التوحيد ويهدم أركان الشرك، لبى بالتوحيد: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”، وكان بعض الناس يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليهم ماداموا على التوحيد، ولكنه صلى الله عليه وسلم التزم هذه التلبية لا يزيد عليها، ففيها توحيد الله عز وجل، ونفي الشريك عنه، وإثبات الحمد والنعمة والملك لله وحده لا شريك له.
وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يلبي بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزيد مع هذا: ” لبيك وسعديك، والخير بين يديك، والرغباء إليك والعمل” ، ” لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك، ذا النعماء والفضل الحسن”. وتبدأ التلبية عتد الإهلال، وتستمر حتى يرى المعتمر الكعبة فيقطع التلبية ويبدأ الطواف، وتستمر مع الحاج حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر. ويستحب رفع الصوت بالتلبية، فأفضل الحج العج والثج، والعج هو رفع صوت التلبية، والثج هو إراقة الدماء يوم النحر. وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أتاني جبريل فقال: يا محمد مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتكرار التلبية ، وتكرار لفظ لبيك يفيد استمرار الإجابة أي إجابة بعد إجابة، وقبل التلبية من اللزوم والإقامة، والمعنى هو أقمت ببابك إقامة بعد أخرى وأجبت نداءك مرة بعد أخرى، ولازمت الإقامة على طاعتك. ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يلبون إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول الواحد منهم: لبيك رسول الله وسعديك، فالتلبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم متابعة هديه وسنته، والتلبية لله توحيد وطاعة. والمؤمن لا ينفك عن التلبية والاستجابة حتى يلقى الله عز وجل، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وبشرته الملائكة برضوان الله فاستبشر، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
وجزاء المستجيبين لله ولرسوله الجنة، فقد قال الله عز وجل: ” لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ” (الرعد: 18) صدق الله العظيم. وقد أمر الله عز وجل بالطواف ببيته، فقال: ” وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”. مما يدل على أن الطواف خاص بهذا البيت، فلا يجوز الطواف ببيت غيرة على وجه الكرة الأرضية، لا بالأضرحة ، ولا بالمساجد. ومن هنا يعلم الحاج أن كل طواف بغير البيت العتيق فهو باطل، وليس عبادة لله عز وجل، وإنما هو عبادة لمن شرعهن وأمر به من شياطين الجن والإنس.
ومن مظاهر التوحيد ان الطائف بالبيت العتيق يصلي خلف مقام ابراهيم ركعتين خفيفتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وسورتي الكافرون التي هي براءة من الشرك، و الإخلاص التي هي صفة الرحمن والتي تعادل أيضا ثلث القرآن الكريم.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment