كان محمد علي رجلاً ذكياً وطموحاً، استخدم الحيلة ليصل إلى حكم مصر بعد رحيل الحملة الفرنسية عنها، كما استخدم الحيلة في التخلص من أعدائه من المماليك، ومن أعوانه الذين ساعدوه في الوصول إلى الحكم كذلك، ليخلص له حكم مصر بلا منازع. كما كان طموح الرجل بلا حدود، حيث فكر وسعى لبناء دولة حديثة تكون قاعدة لإمبراطورية مترامية الأطراف.
لقد شهد محمد علي هزيمة المماليك على يد الفرنسيين لما يمتلكون من أسلحة حديثة في ذلك الوقت مقارنة بالسيوف والخيول التي يمتلكها فرسان المماليك. كما تعرف مع غيره من أهل مصر على عجائب العلم الفرنسي العجيب الذي كان بمثابة صدمة ضخمة لشعب عاش قروناً طويلة في ظل الدجل والشعوذة. ورغم أن الحملة الفرنسية لم تبقى طويلاً في مصر، إلا أنها تركت أثراً كبيراً، بقصد أو دون قصد. ففكرة الأمة في مواجهة الغازي الأجنبي قد تبلورت في تلك الفترة بالإضافة إلى الاطلاع على شكل جديد من أشكال الحكم، يقوم فيه مجلس من الشيوخ والحكماء بمراقبة الوالي، كما برز الشعب المصري في مواجهة الفرنسيين في ثورتين عارمتين وبعض الثورات الصغير والمعارك الجانبية، كما كان فرار المماليك أمام مدافع الفرنسيين بداية لعهد جديد.
النهضة العربية-محمد علي
لقد قرر محمد علي فور استتباب الأمر له في مصر أن يعتمد على الغرب في بناء دولته الحديثة، التي تبدأ ببناء جيش حديث يعتمد على أبناء الشعب المصري بدلاً من المماليك، ويستخدم الأسلحة المتطورة في ذلك الزمن بدلاً من السيوف والرماح. كما قرر أن يتم كل هذا بسرعة شديدة، وكان السبيل الوحيد إلي ذلك هو إرسال بعثات من أبناء الشعب المصري الذين تعلموا في الأزهر الشريف إلى دول أوروبا، خاصة فرنسا وإيطاليا. وكانت مهمتهم الأولى هي دراسة العلوم العسكرية بالإضافة إلى الهندسة وغيرها من العلوم الحديثة. وفي نفس الوقت استقدم العلماء والقادة العسكريين إلى مصر، لتبدأ عملية نهضة سريعة وقوية.
لقد تمكن محمد على في سنوات قلائل من بناء جيش قوي، وإنشاء ترسانة بحرية ضخمة قامت ببناء أسطول قوي، ليس هذا وفقط، بل استطاع أبناء مصر ممن تعلموا في أوروبا من بناء الجسور وتطوير شبكة الري والصرف بشكل كبير، من أجل تهيئة الأرض الزراعية للزراعات التي استحدثها محمد علي في مصر. لقد كان التطور سريعاً، لكنه كان يتسع بشكل منطقي، حتى أخرج مصر من ظلمات القرون والسطى ووضعها على بداية الطريق كدولة حديثة وقوية.
وبدأ محمد علي في تنفيذ حلمه الإمبراطوري بالتوجه جنوباً في قلب إفريقيا حتى وصل إلى خط الاستواء عند منابع النيل، وحارب بالنيابة عن الدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية، وسحق جيش محمد بن عبد الوهاب، واقتحم الدرعية عاصمة دولة التي أعلنت التمرد على الخلافة. كما استطاع جيشه أن يفض ثورة اليونان ضد الخلافة، والأكثر من ذلك أنه أرسل جيشاً يحارب إلى جانب فرنسا في المكسيك، ثم تقدم في الشام دون مقاومة تذكر، وتعاظمت أحلامه وفكر في الاستيلاء على مركز الخلافة العثمانية ذاتها. ولم يكن على الأرض ما يعوقه لاقتحام هضبة الأناضول والاستيلاء على الخلافة. لكن الدول الأوربية التي ساعدته في بناء دولته، قررت أنه أصبح خطراً كبيراً على أوروبا. لذلك احتشدت أساطيل ست دول أوروبية أمام شواطيء الشام، في تحذير له من عدم التقدم أكثرإلى قلب الامبراطورية العثمانية. لكن طموحه وجموحه دفعاه إلى مواجهة الأساطيل الأوروبية، لكنه هزم أمامهم وتقلص مشروعه الامبراطوري، وتعرض مشروع بناء دولة حديثة في مصر إلى الخطر.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment