يصعب علي الناس في بلادنا الحزينة ادراك كثير من الامور. والادراك يتوه ويعشش في فضائنا الوهم والتيه عندما يغيب المنطق عن الامور ، وتزداد تدفقات المعلومات علي المتلقين. يكفيك ان تفتح التلفاز مساءا حتي تجد قذائف اعلامية لا تهدأ الا لدقائق الفقرات الاعلانية . وما ان تبدأ فقرات برامج التوك شو اليومية حتي تصطخب الحياة بكل الوان الصخب والاكتئاب وتجد نفسك في حيرة من امرك ، تظل تسأل نفسك أين الحقيقة؟ أين الحق والعدل؟ كيف يا ربي احكم علي ما يحدث من امور؟
هل تعرفون فكرة الفلتر الذي نستخدمه لفلترة الماء الذي نستخدمه في البيوت؟ هذه الفلاتر كلما زادت مراحلها ستكون النتيجة تنقية افضل للماء وبالتالي سيعود ذلك بالخير علي صحة الانسان وسلامته. هو ذلك بالضبط ما نحتاجه ونحن نتابع الاخبار ، وبرامج التوك شو. المطلوب ان تكيف عقلك بفلاتر نقدية وتحليلية ومنطقية حتي تستطيع ايها الانسان الذي كرمك الله واحسن تصويرك ان تفلتر ما تسمعه وتشاهده وتعرف ما يمكن قبوله ، وما يجب رفض تصديقه نهائيا ، وما يمكننا تعليق الحكم عليه حتي حين.
القاعدة الاخيرة تنجح دائما وفي كل مكان وتحت اي ظروف الا ان المشكلة في بلاد مثل مصر وتونس مثلا تختلف عن بلاد تشهد استقرار سياسي معقول مثل الاردن ودول الخليج بالرغم من انهم يقاومون التغيير بالمال ليس اكثر بكل اسف . المشكلة في مصر ان مشاكلها كثيرة ومتعددة ، والمشكلة في تونس هو كثافة الاحداث بعد الثورة في يناير 2011. الصراع السياسي والوضع الاقتصادي الذي ينهار في هذه البلاد ، وانتشار القنوات الفضائية التي تقدم برامج توك شو ذائعة الصيت وقوية التأثير يتسبب للانسان المتابع بحالة من عدم القدرة علي الاستيعاب.
كل انسان له قدرة معينة علي استيعاب ما يمر به ويشاهده ويستمع اليه يوميا. وهذه القدرة مجرد طاقة قد تنفذ في اي وقت حسب صبر الانسان وقدرته علي التحمل وتحمل عواقب هذا التحمل. وكما للانسان بشكل خاص قدرة محددة تزيد وتقل حسب حالته النفسية والعصبية ، فالمجتمع ايضا أو الرأي العام في بلد ما له نفس هذه الصفة. فتخيلوا كيف للاعلام ان يتسبب في ضغط رهيب علي خلايا الاستقبال والاستيعاب عند كافة طوائف الشعب البائس. فيصبح الناس سكاري وماهم بسكاري. أشاهد ملاحظات في الشارع المصري غريبة وعجيبة. مشادات تافهة ، ونقاشات ساخنة قد تتطور لعراك في اي وقت واي مكان. الشارع والمترو والمولات التجارية والمقاهي وكل مكان. هذا الحراك له من الفوائد كثير ولكن رفقا بالناس فالقدرة علي استيعاب كل هذا الهول يوميا بلا رحمة سيؤدي الي احباط شديد واكتئاب يهبط علي الصدور.
هذا لا يعني اطلاقا الا يقوم الاعلام بدوره ولكن يجب ان نهتم بأمور كثيرة اضافة الي الاهتمام بالمكسب وزيادة نسبة المشاهدة لجذب المعلنين وشركات الاعلانات يجب ان تراعي المتابعين فلو اصابهم الاحباط والاكتئاب بشدة لن يجدوا من يتابعهم اصلا. وانا لا اقف في صف المهاجمين للاعلام بالفاسد والعميل والخائن فهي اتهامات العاجز عن اقناع الناس وهو يمتلك حق الرد ، وحق اصدار اعلامه الخاص ولكنه بعد امتلاكه لاعلامه الخاص والعام وبعد اصداره لجريدة تحمل اسم حزبه استمر علي فشله في النجاح اعلاميا فأخذ بالاسهل وظل يهاجم في قنوات يعتبرها قنوات الخصوم والمعارضين. ولو صح اتهامك أليس من الذكاء ان تركز مجهودك كله في خلق اعلام موازي يحقق لك وصول افكارك التي تؤمن بها وتواجه الفكر بالفكر بدلا من توجيه السباب والاتهامات التي لا تحمل أي دليل نهائيا…
View the Original article
0 comments:
Post a Comment