من يستطيع تدمير التاريخ؟

on Thursday, November 15, 2012

حين قام أحد جنود طالبان منذ أعوام بتدمير تمثال أثري لبوذا، أثار حفظية البشرية ضد هذا الفعل، وكنت أتحدث مع صديق بشأن هذا الموضوع بقال ساخراً: بكرة يرجعوا مصر ويهدموا الهرم. اندهشت وخفت من الفكرة التي بدت في ذلك الوقت مجرد نكتة. لكن الأيام دارت، وعاد إلى مصر من حطم تمثال بوذا، وخرج من السجن عقب نجاح الثورة. وفي ظل صعود التيار الإسلامي إلى الحكم، أصبح من حقه أن يجلس أمام شاشات التليفزيون ويقول بدم بارد أنه سوف يحطم الهرم. وما كان نكتة في الماضي أصبح ممكناً. فلقد عاد الرجل إلى بيته وكأن ما قال يدخل في باب الرأي.
لكن تصريحاته أثرت في السياحة على حسب كلام المسؤوليين، وفتحت الباب أمام كل متطرف ضيق الأفق أن يفعل ما يريد بتراث لا ينتمي لمصر وحدها، بل هو جزء من تاريح البشرية وميراثها الحضاري. ومورد لا ينضب من من الأموال التي ينفقها محبوا آثار مصر حين يأتون لزيارتها. كما أنها جزء من حركة العلم، الذي يبحث في سر عظمة تلك الأثار وفي الطريقة التي شيدت بها. ليس لإثبات عظمة الماضي فقط، ولكن كدرس قد يفيد في تطوير الحاضر.
ومن المدهش حقاً أن يتصور بعض الناس أن تمثال بوذا أو تماثيل الفراعنة هي أصنام ويجب هدمها. وأنها فتنة قد تلهي الناس عن عبادة الله. فقد تجاوز الزمن عصر الأصنام بأربعة عشر قرناً وهم لا يدركون. من يعبد الأصنام في مصر؟! من يسجد لأبي الهول حتى يتحول إلى خطر على الدين يجب التخلص منه. ومن أعطى ذلك الرجل أو غيره الحق في إطلاق التفسيرات والتهديدات التي لا تزيد الناس إلا اندهاشاً من طريقة التفكير التي لا تميز بين الماضي والحاضر، ولا تفهم تطور العلاقات والدلالات عبر الزمن.
وإذا افترضنا وجود من يعبد بوذا أو أبا الهول أو غيرهما من الأشياء الغريبة، أيكون من الدين التهجم على الناس بغتة وهدم رموزهم الدينية والتاريخية؟ أو ليس لهم دين يؤمنون به عن حق أو باطل، وأليس من الأفضل مناقشة الناس والحوار معهم ومحاولة إقناعهم باتباع عقيدتنا بالحكمة والموعظة الحسنة. هل هدم تمثال بوذا أوقف البوذيين عن عبادته أو احترامه؟ بالطبع لا. فالبوذية موجودة سواء بقي التمثال أو هدم. ولن يتحول أحد من البوذيين إلى الإسلام لأن التمثال الذي يعبده هدم. بل على العكس قد يعتبر المسلمين أعداء له ويرفض السماع منهم، سواء كان قولهم حق أم باطل. فهو قد تعرض للإهانة على يد أحدهم. إن العنف يقطع الحوار، ويهدم المنطق، ويضع مكانه قانون الغابة الذي يتيح لكل من يريد شيئاً أن يفعله طالما يمتلك القوة على ذلك، وهو يعرض نفسه في ذات اللحظة للخطر، لأنه يخول لمن يرفضه أن يعتدي على حقه بالقوة.
وإذا كنا نستخف بعقائد الناس فنحن نعطيهم المبرر للاستخفاف بعقيدتنا. ونتسبب في خلق دوامة من الحقد المتبادل الذي تضيع بسببه الحقائق أو تختلط بالأوهام. إن تمثال بوذا الذي دمر، وتمثال أبو الهول ووغيرهما الكثير من الرموز الدينية والتاريخية موجودة قبل ظهور الإسلام، ولم تحل دون انتشاره، لا تمثل أدنى تهديد له في الماضي ولا الآن. حتى تمثال هبل شخصياً لو وضع في ميدان التحرير، هل سيعبده الناس، ويتركون الإسلام؟ هل كان النحات الذي نحت أبو الهول قبل ظهور الإسلام بآلاف السنين يقصد به محاكاة الخالق في القدرة على الخلق؟ حتى وإن أراد ذلك، هل نجح فيه؟
هذه أسئلة يجب أن يطرحها هؤلاء الناس على أنفسهم، ويمرورها على عقلوهم، حتى يرتاحوا ونرتاح من شطحاتهم.



View the
Original article

0 comments: