الإعلام الاجتماعي والثورة

on Sunday, November 11, 2012

دائماً ما كانت وسائل الإعلام حكراً على الدول وكبار رجال الأعمال، يستخدمونها في الدفاع عن مصالحهم والتعبير عن وجهات نظرهم. كما كانت تحتاج إلى تكاليف كبيرة، وإمكانيات بشرية ضخمة، وتقنية غير متاحة للجميع، وتراخيص خاصة. ومن الجدير بالذكر أن هناك مقولة كانت تتردد في الخمسينيات والستينيات عند تحرر الدول وحصولها على استقلالها: أن الدولة علم ومحطة إذاعة. حيث تبادر الدولة المستقلة بإنشاء محطة إذاعة بسرعة شديدة. لقد كان الإعلام من أدوات السيادة الوطنية في ذلك الوقت.

لكن التطور التقني الهائل الذي شهده العالم منذ نهاية القرن العشرين، أحدث طفرة في عالم الاتصالات، فبعد ظهور الإنترنت كأداة تواصل، ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت بسرعة رهيبة، ووفرت وسيلة إعلام شعبية، تتيح للفرد التعبير عن ذاته ببساطة مطلقة، وعرض أفكاره وآرائه على ملايين البشر، من خلال مدونة أو حساب على الفيس بوك أو غيره من مواقع التواص الاجتماعي. وكل هذه المنصات تتيح للفرد نشر مقالات وصور ومقاطع فيديو، توثق سيرته الذاتية أو توثق أحد الأحداث التي شاهدها.

لقد ظهر منطق جديد في الإعلام يحطم السيطرة على الأخبار أو التحكم في محتواها أو توجيه التحليل المصاحب لها. كما يتيح الفرصة لمئات الأشخاص الذين لم يكن يتثنى لهم الظهور في وسائل الإعلام التقليدية وعرض وجهات نظرهم. وأكثر من ذلك أنها أتاحت فرصة أكبر للتأثير حيث تبقى المادة المنشورة على موقع التواصل وقتاً طويلاً متاحة لملايين البشر في أوقات مختلفة، كما تسمح بالتعليق عليها وإجراء حوار مباشر مع المتلقي، أو إجراء نقاش واسع حول المحتوى المنشور.

كما تجاوزت وسائل الإعلام الاجتماعي حاجز الرقابة الذي كانت تفرضه بعض الدول على وسائل الإعلام التقليدي، ولم تعد الأجهزة الأمنية قادرة على التحكم بما ينشر، وإن كانت تستطيع في بعض الأحيان البطش بأصحاب بعض المواقع، لكنها لا تسطيع ملاحقة السيل الجارف من الموضوعات والأفكارالتي تنتشر من موقع إلى آخر ومن فرد إلى فرد في لحظات. كما أصبحت ممارسات المسؤولين في الشارع أو في وسائل الإعلام التقليدية مثار رصد وموضع سخرية. كما تحركت حملات شعبية في الشارع اعتماداً على الدعاية والتنسيق من مواقع التواصا الاجتماعي. من خلال إمكانيات بسيطة لا تحتاج سوى لعقل مبدع وموهبة حقيقية.

وأهم ما قدمته مواقع التواصل الاجتماعي هو تجيمع أصحاب الميول المشتركة معاً في مجموعات قادرة على التفكير والترتيب وتبادل المعارف والأخبار والتعليقات. وهو ما لعب دوراً بارزاً في الثورات العربية، منذ أن تحول حرق بو عزيزي لنفسه في تونس حدثاً محورياً يشغل الرأي العام التونسي والعربي والعالمي، رغم تجاهل الإعلام التقليدي له، إلى متابعة الفاعليات وتنسيقها بين الشباب التونسي ونقل مواعيد الفاعليات وأماكن التجمع، والتحريض على المشاركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولم تكن أحداث تونس تؤثر في مصر لولا هذه المواقع التي تبنت الحدث وأصرت على لفت الانتباه إليه ومن ثم فتح نقاش حول إمكانية الثورة في مصر.

يستطيع المرأ أن يرى الحيوية في النقاش وحرية تبادل الأفكار، على صفحات التواصل الاجتماعي قبل الثورة في مصر، والمشاركات المتنوعة من مقطع فيديو إلى رسومات إلى كاريكاتير إلى تصميم مؤثر، إلى فكرة إلى اقتراح. كما لعبت هذه المواقع دوراً كبيراً في الترتيب للحركة على الأرض باختيار أماكن التجمع ومواعيد التظاهر، وتوزيع بيانات التحريض على التظاهر، ثم رصد الفعاليات نفسها وتقديمها للرأي العام المصري والعالمي، مما أجبر الحكومة على محاولة يائسة بائسة بقطع الأنترنت عن مصر، فوفر المتعاطفون من دول كثيرة مواقع استضافة للمدونيين المصريين. لقد أتاحت هذه المواقع للفرد الوحيد الأعزل أن يلتحم بغيره ويصنعون حلماً لم يستطع جبروت القمع على قمعه، ولن يستطيع.



View the
Original article

0 comments: