هل تتصادم نظرية التطور مع الإسلام ؟

on Friday, May 25, 2012

 يسود اعتقاد لدى كثير من المسلمين ان نظرية التطور هي نظرية تتصادم كليا مع فكرة الخلق . و هذا التصور الخاطئ ناتج عن سببين رئيسيين . الاول : هو تبني الملحدين لهذه النظرية و استخدامها بشكل مغالط للتدليل على استحالة الخلق . لكن خلق الله للإنسان و لبقية الكائنات لا يستلزم بالضرورة أن يكون خلقا فوريا . و  التطور لا يمكن ان يكون حجة لإنكار وجود الخالق , لأن  الخلق قد يكون تدريجيا مثلما يمكن ان يكون مباشرا و فوريا . ببساطة لان الله كلي القدرة لا يعجزه أن يخلقنا عبر التطور مثلما يمكنه خلقنا خلقا فوريا , و مجرد تذكرنا اننا جميعا نتيجة خلق تدريجي في ارحام امهاتنا يمكن ان يبسط لنا الفكرة و يجعلنا نعيد النظر في مسلماتنا عن الخلق .  اما السبب الثاني الذي يدفع اغلبية المسلمين إلى رفض نظرية التطور و هو السبب الأهم فهو اعتقادهم أن النظرية تتصادم بشكل كلي مع نصوصهم المقدسة . فالمسلمون يعتقدون أن الله خلق البشر من خلال خلقه لآدم  بوصفه أول البشر والذي خلق له  بعد ذلك زوجته حواء من ضلعه, و بالتالي فإن أي تصور عن الخلق يتعارض مع هذه القصة هو بالضرورة تصور باطل .

المشكلة التي تواجه المسلم في هذه الحالة هي ان الادلة المؤيدة للتطور صارت اليوم تتزايد باستمرار و في كل مرة تؤكد الدراسات و الابحاث ان الحياة على سطح الارض لم تنشأ بشكل مفاجئ بل ظهرت بشكل تدريجي على مدى ملايين السنين . مما يجعل الافتراض بنشأة اشكال الحياة عبر التطور افتراضا قويا جدا . بل الافتراض المنطقي الوحيد الذي يتناغم مع معطيات السجل الحفري . فالسجل الحفري يظهر لنا بوضوح ان أشكال الحياة الابسط اولا على الارض , و كلما تقدمنا في الزمن ظهرت انواع أكثر تعقيدا فيما يمكن وصفه بشجرة للأنواع الحية . كما ان جميع الكائنات تشترك في بنية اساسة واحدة . تدل على اصلها المشترك . و اليوم اصبحت احدث التحاليل و الدراسات الجينية تؤكد كثيرا من فرضيات نظرية التطور و تؤكدها.

في مواجهة هذه الحقائق العلمية , صار من اللازم علينا اليوم ان نعيد النظر في موقفنا من النظرية و طرح السؤال التالي : هل هناك فعلا تعارض بين تصوري الخلق و التطور ؟ و هل يحتوي القرآن على نصوص صريحة ترفض القول بالتطور بشكل كلي , سواء تعلق الامر بالإنسان او ببقية الكائنات ؟

قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين ان السؤال على هذه الاسئلة بسيط و بديهي و هو ان إمكانية الجمع و التوفيق بين كلا التصورين هو امر مستحيل . لكن لعل بعض الآيات القرآنية تجعلنا نتردد قليلا قبل التسرع في إصدار حكم  نهائي و تجعل من هذه الاسئلة اسئلة مشروعة بغض النظر عن اجوبتنا .

و لكي اوضح ما ارمي إليه هذه بعض الآيات القرآنية التي يمكن ان تفتح باب التفكير الجدي في مسألة الخلق و كيفيته .

يقول تعالى قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق

والله أنبتكم من الارض نباتا

و قد خلقكم أطوارا

ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم

الذي أحسن كل شيء خلقه و بدأ خلق الإنسان من طين

إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران على العالمين

هذه الآيات و آيات كثيرة غيرها يمكن ان تكون محفزا لإعادة قراءة نظرية التطور و براهينها و محاولة فهمها دون أحكام مسبقة بدل تبني موقف مسبق رافض لها .

فإذا كان الله يأمرنا بالسير في الارض لمعرفة اصل الخلق و مبدأه كما يفعل علماء الإحاثة اليوم , و إذا كان يقول أن خلقنا كان أطوارا و أن آدم هو نبي مصطفى كغيره من الأنبياء و أن خلقنا و تصورينا كان قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم فما الذي يمنعنا من إعادة النظر من موقفنا من نظرية التطور عموما . لماذا لا يكون احتمال خلقنا كما يعتقد العلماء اليوم هو الامر الذي يشير إليه القرآن لكننا نتجاهله بسبب جمودنا على تصور القدماء عن الخلق . ألا يمكن أن يكون تصورنا عن الخلق ناتج عن طبيعة تفكير البشر في زمن لم يتطور فيه العلم تطورا كافيا ليتصور طريقة للخلق تختلف عن تلك التي تتصورها معظم الثقافات القديمة ؟  هذه الاسئلة و غيرها هي ما ينبغي في نظري ان تطرح اليوم لفتح طرق جديدة في التعامل مع العلم بثقة بدل الدخول معه في مواجهات غير ضرورية . فهل نحن فعلا مستعدون لذلك ؟؟

الواقع هو أنه و إلى هذه اللحظة مازال عالمنا الإسلامي متخوفا من مناقشة مثل هذه القضايا , فالبرغم من ان الكثير من المسلمين بدأوا يطرحون قراءات جديدة اللتراث و للقرآن تنظر لكثير من المسائل من زوايا مختلفة و منظورات جديدة إلا ان هذا الموضوع لازال يشكل نوعا من الطابو بسبب ارتباط النظرية في اذهان الكثيرين بالإلحاد و الكفر . و لكن ما كان في زمن ما  كأمرين متناقضين لا يمكن الجمع بينهما  يصير بالإمكان الجمع بينهما في زمن آخر إذا راجعنا بعض المسلمات البسيطة . و لكن هنا تكمن المشكلة, أي عندما نصر بعناد على عدم مراجعة مسلماتنا و لو من باب فتح النقاش بصورة جدية مع من يمتلكون ربما نظرة مختلفة عن نظرتنا لمسألة ما . لذا ليس هذا المقال البسيط إلا دعوة للتفكير و إعمال مبدا “لما لا!!” … لما لا يكون داروين محقا و لما لا يكون التطور هو الطريقة التي بها خُلقنا ؟؟!!!!!



View the Original article

0 comments: