الإسلام والجمال (2): الدراسات الجمالية عند العرب المسلمين

on Tuesday, May 22, 2012

تعود أصول الفكر الجمالي إلى المراحل الأولى للحضارة الإنسانية في مصر وبابل والهند والصين واليونان ولعل أفضل ما وجد في تلك الحضارات هو ما صاغه اليونان ولاسيما أرسطو وأفلاطون وكان سقراط (470-399 ق.م) أول من بشّر بقدوم مرحلة جوهرية من مراحل علم الجمال وابتعد في آرائه عن المادية الساذجة وربط مفهوم الرائع بمفهوم المفيد، وكان الفن بالنسبة إليه محاكاة للطبيعة ثم جاء بعده أفلاطون “تلميذه” وأرسطو الذي بلغ بمؤلفاته ذروة الفكر الجمالي الإغريقي ثم جاء أفلوطين الممثل البارز للأفلاطونية الجديدة (204-270 م) حيث كان يرى العالم فيضاً عن الكمال الإلهي ويقول: إن غاية الإنسان هي العودة إلى الله.
والواقع أن علم الجمال لم يستقل عن الفلسفة في الدراسات الأوربية إلا في النصف الأخير من القرن الثامن عشر عندما فصل الفكر الأوربي العلوم التطبيقية عن العلوم الإنسانية، أما العرب فلا بد وأنهم عرفوا فكراً جمالياً ومفهومات جمالية كانت خاصة بهم ارتبطت بثقافتهم المؤسسة على العقيدة الإسلامية، واستوعبت كل ثقافات الأمم الأخرى في زمانها إلا أننا اليوم لا نجد إلا إشارات سريعة إلى ما عند العرب المسلمين من فكر جمالي رويت في مؤلفات غربية، لأن العرب في القرن العشرين أهملوا هذا الفكر كل الإهمال.
إن العرب المعاصرين يملكون مفهوم جمال خاص بهم هو امتداد لثقافتهم الممتدة في التاريخ صعوداً إلى آلاف السنين وإن كانت هذه الثقافة قد شهدت توجهاً جديداً ربطها بالفكر الإلاهي عند ظهور الإسلام.
إلا أن هذا المفهوم يعيش فقط في الثقافة غير العالمة ولاسيما الاجتماعية وما فيها من عادات وتقاليد ونظم حياة وقيم تتمثل في السلوك اليومي والمواقف الحياتية العملية ولا بد أن نوضح مفهوم الثقافة غير العالمة: وهي تعني طريقة الإنسان في العيش وبخاصة في المسائل المادية الأولية التي هي واحدة عند جميع الناس ولكن مختلفة من حضارة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، فالجميع يعرف الزواج والطلاق والولادة والموت والطعام والشراب والجنس والنوم والصحو إلا أن طرق عيشها والنظر إليها وفهمها مختلف من حضارة إلى أخرى فالزواج في الغرب الأوربي لا يمثل القيم نفسها التي يمثلها في الشرق العربي الإسلامي وكذلك الموت.. وقس على ذلك باقي المسائل التي توصلنا إلى قناعة بضرورة وحتمية الاختلاف في المفاهيم وسبل العيش بسبب الاختلاف بالمعتقدات وقوانين العيش الناظمة لعلاقة الإنسان بالكون والإله والإنسان.
من خلال إلقاء نظرة على المؤلفات العربية المعاصرة في علم الجمال سنتبين أنها نوعين: الأول: كتب مترجمة عن اللغات الأوربية ، والثاني: ألفها عرب اعتمدوا فيها على الكتب الأولى المترجمة ولا نجد إلا في النادر، كتباً ألفت حول مفهوم الجمال العربي المعاصر أو العربي الإسلامي ومن هذه الكتب كتاب للدكتور: سعد الدين كليب بعنوان: البنية الجمالية في الفكر العربي الإسلامي، وكتاب للدكتور: حسين الصديق بعنوان: فلسفة الجمال ومسائل الفن عند التوحيدي.
أما مصادرنا العربية التراثية فهي أكثر من أن تحصى وكلها قادر على أن يمدنا بثروة هائلة من المواد التي يمكن تصنيفها تحت علم الجمال أو استنباط مفهومات جمالية منها.. وهذه المواد موجودة في جميع تلك المصادر على اختلاف أنواعها: الفقه، علم الكلام، العرفان، الفلسفة، الأدب، الفن، ومعظم هذه النصوص لم يُتنبه إليه ولم يُدرس دراسة قائمة على منهج متكامل وعلمي يربط بين النص والأطر المعرفية الثقافية التاريخية التي كانت تحيط به عند إبداعه..
تلك النصوص نجدها منتشرة بكثرة عند الفلاسفة والمتصوفة وعند المتكلمين والفقهاء والأدباء بالإضافة إلى نصوص أخرى تنتمي إلى الثقافة غير العالمة وهي جديرة بدراسة خاصة تقوم على الفارق التاريخي بين الثقافة العالمة وغير العالمة.. ولا بد أيضاً من دراسة كافة أنواع الصناعات التي عرفتها الحضارة العربية الإسلامية وكيف انعكست ثقافتهم في إبداعهم الصناعي ومن المصادر والكتب والنصوص تلك نذكر:
-    مشارق أنوار القلوب ومفاتح أسرار الغيوب “ابن الدباغ”.
-    روضة التعريف بالحب الشريف “لسان الدين ابن الخطيب”.
-    رسائل ابن سبعين.
-    رسائل ابن عربي.
-    كتب ابن سينا (الإرشادات والتنبيهات، الإلهيات، المبدأ والمعاد، جوامع علم الموسيقا).
-    الفارابي (آراء أهل المدينة الفاضلة، معارج القدس في مدارج معرفة النفس).
-    أبو حامد الغزالي (إحياء علوم الدين).
الإنسان ليس ابن الحاضر، إنه ابن الماضي… وهو يرى الحاضر ويتعامل معه ويحكم عليه من خلال تجربته المكتسبة في الماضي والحاضرة في ذاكرته والتي هي جزء من ذاكرة مجتمعهِ التي تمتد جذورها عميقاً في ذاكرة الحضارة التي ينتمي إليها وعلى هذا فإن الإنسان ابن ثقافة حضارته التي تصوغ شخصيته وهويته وتشكل أفعاله وتحكمه حكماً لا واعياً في الغالب.
يتبع….

بقلم: إخلاص قصار



View the Original article

0 comments: