الإسلام والجمال (1) مفهوم الجمال في الفكر العربي الإسلامي

on Tuesday, May 22, 2012

مفهوم الجمال في الفكر العربي الإسلامي

يرى الفكر الإسلامي أن الكون يخضع لنظام دقيق يدل على غائيته ولو كان في الفوضى لانتفت الغائية وانعدمت الوظيفة وساد الاضطراب… إذ لا يمكن لأي كائن أن يبلغ هدفه إن كانت حركته عشوائية “مضطربة، فوضوية” ولا بد له مِنْ ناظم ينظم حركته، ولما كان الإنسان جزءاً من النظام لكوني فقد اقتفى أن يخضع في حركته للقانون نفسه الذي يحرك باقي مفردات الكون.
فالحركة العبثية “اللاغائية” حركة مدمرة وقد حرصت الديانات، بمختلف مصادرها وكذلك معظم الفلسفات الإنسانية على تنظيم حركة الإنسان وتحديد غايتها وتوضيح هدفها إلا أن الإنسان ما كان يستجيب لذلك إلا في النادر..
ولما كان الإنسان مسؤولاً عن أعماله أمام الله والناس، فقد اقتضت هذه المسؤولية الحرية والقدرة على الاختيار وهو ما لا يتوافر للإنسان إلا بشرط المعرفة فمسؤوليته وحريته في الاختيار إنما تتناسب طرداً مع معرفته.
وقد خلق الإنسان كائناً معرفياً بمعنى أنه قادر على اكتساب المعرفة واستنباطها ” الحصول عليها” من مصادرها، وهو مزود بقوة أخرى أهم من المعرفة تدفعه إلى البحث عنها هي المحبة والعشق الذين يتطلبان ما يُحَبُّ ويعشق إلا وهو الجمال.
والجمال كلمة تدل على مطلق يصعب تجديده، فهي تتسع لتشمل مفردات الكون جميعها، وهذا ما يجعل تحديد مفهومها “معناها” أمراً صعباً ومُخْتَلَفَاً فيه، إلا أن البحث أوصلنا إلى اكتشاف تعريف ينسجم مع النظرية العامة لعلم الجمال العربي- الإسلامي
الجمال: هو صفة قائمة في الموضوع الجميل تنشأ عن الكمال الذي يبلغه التناسب القائم بين العناصر المكونة للموضوع الجميل في عرضه “شكله” وجوهره “مضمونه” وتمكنه من أداء وظيفته التي وجد من أجلها على أكمل وجه.
ولما كانت العقيدة الإسلامية هي التي تحكم باقي النتاج الحضاري عند العرب- المسلمين وفي مقدمته الفكر العربي الإسلامي ولا يمكن فهم ذلك النتاج وهذا الفكر إلا م خلال تلك العقيدة فإن مفهوم الجمال عند هؤلاء ارتبط بذلك الفكر.
إلا أننا نعرف أن هذا الفكر “الفكر العربي الإسلامي” لم يكن فكراً نظرياً، وإنما هو معيش “محقق، منفذ، موجود” في الواقع من ظهور الإسلام إلى اليوم وقد اختلط هذا الفكر بالثقافات الواردة من الحضارات الأخرى التي كان يمثلها أبناؤها من سكان البلاد التي فتحها العرب- المسلمون سواء أظل هؤلاء على دياناتهم السابقة أم تحولوا إلى الإسلام وحملوا معهم بقايا ثقافاتهم.
إن هذه الحقيقة أخرجت مفهوم الجمال من أطره العقدية “الدينية” الإسلامية البحتة وجعلته مرتبطاً بما أنتجه بوتقة “باقة، مجموعة” العقيدة الإسلامية التي انصهرت فيها كل الثقافات الأخرى لتعطي حضارة جديدة متكاملة تحكمها تلك العقيدة وتوجهها وتعبر عنها اللغة العربية بكل ما فيها من معاني “أبعاد” معرفية وحضارية خاصة بالثقافة العربية.
من خلال ما تقدم يمكننا استنباط مرجعية “قاعدة، أسس” نحتكم إليها في كلامنا على مفهوم الجمال في الفكر العربي الإسلامي:
أ‌-    فالإنسان هو الذي يحدد مفهوم الجمال في الموجودات بحسب وظائفها التي وجدت من أجلها قياساً إلى وجوده هو عينه الذي ارتبط بالوجود الإلهي حسب الفكر العربي الإسلامي وهي تساعده في معرفة جماله واكتشاف جوهره ليزداد قدره على إدراك العالم ووعيه…
ب‌-    إن الجمال في الموجودات إنما يقاس بحسب نسبتها إلى كمالها الذي اقتضاها سبب كونها ووظيفتها التي خلقت من أجلها وبقدر ابتعاد الموجودات عن ذلك الكمال يكون ابتعادها عن الجمال، فلا مكان للعبث واللعب وإنما سعي وراء التكليف لنيل الكمال مصدر السعادة وهذا ما يبينه القرآن الكريم حسب قوله تعالى: “وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين” إنما خلقت من أجل الإنسان سيد المخلوقات وسُخَّرت له ليحقق خلافته في الأرض التي بينها قوله تعالى: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”.
ج- يقول رسول (ص): إن الله جميل يحب الجمال، ولما كان الله مصدر الوجود جميلاً محباً      للجمال فقد اقتضى أن يكون كل ما صدر من الموجودات جميلاً بالضرورة غذ لا يعقل أن يصدر القبيح عن خالق جميل يحب الجمال.
د- إذا كان مفهوم الجمال قد ارتكز على الكمال وتمحور عليه فمال الكمال؟ أيضاً إن الذي يحدد مفهوم الكمال إنما و الإنسان ذاته من خلال موقعه في الكون وقدم لنا الجرجاني في تعريفاته مفهوماً جامعاً للكمال بحسب الفكر العربي الإسلامي يقول فيه: الكمال ما يكمل به النوع ذاته “جوهره، مضمونه” أو في صفاته “عرضه، شكله” .. فالكمال في الموجودات على مستويين بحسب الذات أولاً وبحسب الصفات ثانياً..
فالكمال الأول هو كمال الجواهر والكمال الثاني هو كمال الأعراض ويتحد الكمالان في الإنسان أجمل المخلوقات في أصل النشأة فيكون كاملاً من جهتي العرض والجوهر معاً ولكل من العرض والجوهر كماله اللائق به، فالجمال الإنساني هو أجمل ما في الكون لأنه يستمد وجوده من الله كباقي المخلوقات، ويتفوق على جميع ما سخر له “خلق من أجله” بامتلاكه النفحة الإلهية التي يحملها بين الموجودات إلا هو بحسب قوله تعالى: ” وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين”.
ولما كان الأمر على ذلك فقد تقرر أن الجمال في الموضوع إنما يتناسب مع الكمال الحاصل من التناسب والتوافق بين الأعراض والجواهر مجتمعة في الموضوع الجميل وكلما كان التناسب أكبر حقق توافقاً أعظم في أداء وظيفة هذا الموضوع كانت نسبته إلى الجمال أكبر وإطلاق صفته عليه أحق.
المصادر: القرآن الكريم- الحديث الشريف.
المراجع: المدخل إلى الفكر الجمالي عند العرب المسلمين للدكتور حسين صديق.

بقلم: إخلاص قصار



View the Original article

0 comments: