يعتقد كثير من الناس في بلادنا العربية وفي بلاد الغرب ايضا ان المسلمين هم احداث في ميدان صناعة الحضارة وخبراتهم في التحضر والمدنية وصناعة الكيانات الحضارية الكبيرة والعظيمة لم يحدث الا بعد حروب توسعية حدثت في عهود الدولة الاموية والعباسية عندما دان للمسلمين القوة والقدرة ففتحوا الشام والعراق ومصر ووصلوا لحدود انطاكية وفتحوا القسطنطينية “اسطنبول حاليا” ، وفتحوا بلاد شرق اوروبا حتي حدود رومانيا ، وفتحوا بلاد شمال افريقيا طول ساحل البحر الابيض المتوسط ليبيا التي تتبع جغرافيا وتاريخيا لمصر وكانت تسمي قبل الاسلام المدن الخمس الغربية ، وفتحوا تونس التي كانت تسمي افريقية ووصلوا لساحل الاطلنطي في المغرب. وامتدت الفتوحات شرقا ففتح المسلمون بلاد ما خلف النهرين من ارض فارس “ايران وما حولها”، ووصلوا لحدود الصين شرقا وفتحوا جميع البلاد التي نسميها الان الجمهوريات السوفيتية المسلمة والتي يسكنها اقوام مسلمون من سلالات المغول الذين دخلوا الاسلام بعد ان قادهم القائد المغولي المسلم بركة خان وانتصروا علي اولاد عمومتهم المغول الوثنيين الذين كان يقودهم هولاكو لغزو بلاد العرب ودمروا عاصمة الحضارة في وقتها بغداد، والتي كان يصفها المقريزي في كتابه بما لا عين رأت ولا اذن سمعت دليلا علي مدي التقدم الذي كانت عليه ممالك المسلمين وحجم الحضارة التي وصلوا اليها من عمارة وفن ومكتبات وفلك وعلوم.
هذه الافكار التي ترسخت جيل بعد جيل ان الحضارة بدأت في ارض الجزيرة العربية وكل اراضي المسلمين بعد ظهور الاسلام ، وقبله ظل العرب مجرد قبائل متعاركة متخلفة لم تقم لهم اي بوادر للحضارة وعاشوا في التخلف الاف السنين. هل هذا الاعتقاد صحيح؟
كلا بل كان العرب اهل حضارة وقد صنعوا الحضارة مرات بعد مرات، بل وقدموا للعالم امتدادا لحضارات العالم القديم بممالك لم تشهدها الانسانية كثيرا مثل مملكة سبأ التي كانت بأرض اليمن قبل الاسلام بحوالي الف عام تقريبا، كما قدموا حضارة مثل حضارات ارض الشام التي حكمت فيها الملكة العربية زنوبيا “زينب” وكان ملكها يمتد من ارض الشام والساحل الشرقي للبحر المتوسط وامتد حتي ساحل الاسكندرية علي البحر المتوسط في شمال ارض مصر، وكانت هذه المملكة قوية جدا ومكينة في الارض في هذه المنطقة من العالم. وقبل ظهور الاسلام بأعوام قليلة استطاعت قبائل العرب المتناحرة ان تتوافق وتتعاون وتحارب الفرس في معركة كبيرة وانتصر العرب فيها وكسروا جيش الفرس في ارض كاظمة حاليا ونواحيها. وشهدت الجزيرة العربية ممالك صغيرة او قبائل قوية جدا تدينت بالمسيحية مثل قبيلة تغلب في شرق الجزيرة والتي كانت عتية واهلها بارعين جدا في الحرب والقتال لدرجة ان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولأنه سياسيا بارعا وقديرا ومحارب صاحب رؤية قرر اسقاط الجزية عن قبيلة تغلب اتقاء لشرهم في وقت كان المسلمون يحاربون اهل الردة في كل اتجاه حول المدينة وقد اراد الخليفة عمر الفاروق ان يتجاوز تغلب حسابا لقدراتهم وتقديرا لحجم الخطورة في حال مواجهتهم علي استمرار انتشار الدعوة الاسلامية في ارض الله.
وكان اهل العرب قبل الاسلام مباشرة اهل شعر واشتهروا بسوق عكاظ الذي كان يجتمع فيه اهل الجزيرة ويلقون الشعر واشتهر في هذا الزمان شعراء كثيرون منهم امرؤ القيس والخنساء، وغيرهم من اصحاب المعلقات، والمعلقات كانت ستائر يكتب عليها الشعر وتعلق علي جدار الكعبة وكانت الكعبة بالنسبة لهم مثل اداة الاعلام المرئي المشاهد من المئات في ذلك الوقت ، وكان في شمال ارض الجزيرة ناحية جنوب الاردن حضارة الانباط وهم من العرب ايضا والذين نقشوا بيوتهم في الجبال واخترعوا نظام لحفظ الماء يبهر العالم حتي الان، وهم اصحاب الاثر الشهير “البتراء” الموجودة بالاردن حاليا.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment