عندما يفكر الناس في امور الدنيا وخاصة في السياسة وعلاقات الشعوب ستجد في غالب الاحوال يفكرون في نتائج وشواهد الامور لا في الاصول الاولي لها. أي يفكرون في النتائج التي تحدث في الواقع المنظور ولا يعودون ولو للتأمل البسيط في المقدمات الاولي. لذلك نجد البعض من المسلمين – واحقاقا للحق الاغلبية من الشعوب الاسلامية – تحمل في القلب غصة وحنقا وكراهية لكل ما يمت بصلة لليهود. وللاسف كثيرين منا لا يميزون ولا يرون اختلافا واضحا بين اليهود والصهاينة. لا يحددون الاطار المميز للاسرائيليين ذلك الكيان الغاصب لأرض عربية والمحتل لبلد يدين اغلب اهلها بالاسلام والمسيحية الارثوذكسية فيشيعون الحكم ويعمموه علي اليهود بشكل عام. وفي هذا خلط وخطأ كبير والسبب في رأيي اننا بهذا التعميم ننسي ما كان ونتغافل عن التاريخ الاسلامي الاول والذي كان يشهد علاقات بين المسلمين واليهود تختلف كثيرا عن حالنا اليوم بل وتناقضه. المأساة ان اليهود هم اكثر اهل الدنيا اهتماما بالتراث العربي الاسلامي القديم….هل تصدقون؟ والله هذا ما علمته من استاذي المتخصص في علم التراث الاسلامي والفلسفة الاسلامية . كان يشاهدهم في رحلات منتظمة يأتون لزيارة دور كتب التراث في منطقة محطة الرمل بالاسكندرية في مصر في العام 1979 م بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل. وكان ذلك سببا دفعه الي التركيز علي الاهتمام الشديد بدراسة وتجميع التراث العربي الاسلامي والمسيحي واختار ان يفني عمره في هذا المضمار الذي يحتاج اعمارا وتضحيات كبيرة للحفاظ عليه.
وحتي لا نتكلم في موضوعنا بدون ان نوضح امثلة نري فيها كيف كانت العلاقات الاسلامية اليهودية في التاريخ القديم سيكون خير مثال دولة النبي صلي الله عليه وسلم في المدينة المنورة “يثرب” فكما نعرف عاش اليهود في كنف المسلمين وحمايتهم داخل المدينة وعملوا في التجارة وعاشوا في امان وكتب لهم الرسول “ص” كتابا ونصا في وثيقة ترعي حقوق جميع المواطنين تعد اول وثيقة مواطنة في التاريخ الحديث. في هذه الوثيقة امن الرسول اهل الكتاب اليهود والنصاري علي احوالهم وانفسهم واموالهم ولهم ما للمسلمين الا فيما قال فيه الله نص وعليهم ما علي المسلمين ويؤمنهم المسلمين في حالة الحرب ويدفعون الجزية التي لا عيب فيها حتي نخجل منها فقد كانت تكتب علي القادر من اهل الكتاب وكانت لا تتعدي القدر القليل من اموال الزكاة التي فرضت علي المسلمين وتؤمنهم الجزية من خوض الحروب والالتحاق بالجيش القتالي
كما عاش اليهود في امان تام واشتغلوا بالتجارة والكتابة والتدوين واعمال الترجمة في عهد الدولة العباسية التي امتدت شرقا وغربا ودانت لها الدنيا والملك. اشتهر اليهود في ذلك الزمان بقدرتهم علي ترجمة كتب فلاسفة وعلماء اليونان القديمة فترجموا اعمال ارسطو وافلاطون ونقلوا اعمال فيثاغورث وغيرهم. واكمل المسيرة بعد دراسة هذه الترجمات علماء وفلاسفة المسلمين وملؤوا الدنيا علما وحكمة. امن الخلفاء العباسيين اليهود علي اموالهم وارواحهم وعاشوا في سلام تام وكان منهم الاطباء والبناة والمترجمين والكتاب والتجار. كان خلفاء العباسيين لا يعاملونهم كأنهم مواطنون درجة ثانية او ناقصين الاهلية بل عاملوهم كمواطنين في الدولة سواء بسواء مع المسلمين والنصاري .
وفي دولة المسلمين الاموية في الاندلس والتي كانت تشع الحضارة في جنوب غرب اوروبا لمدة ثماني قرون كاملة. عاش فيها اليهود لاول مرة في تلك المنطقة في امان وسلام بعد ان كانوا في عذاب واضطهاد مستمر من القوط وغيرهم. وبزغ منهم في الاندلس اطباء كبار مثل موسي بن ميمون الذي جاء الي مصر واصبح طبيبا خاصا لصلاح الدين الايوبي . واشتغلوا باعمال الترجمة وهم يعود لهم الفضل في ترجمة اعمال المسلمين الي اللغة اللاتينية ومن ترجماتهم بدأ الاوروبيين عصر الرينسانس او بداية الحضارة الاوروبية الحديثة..
View the Original article
0 comments:
Post a Comment