قديما تعجب رجل من كثرة معاصيه وذنوبه مع سلامته من البلاء والمصائب فقال :يارب كم أعصيك ولا تعاقبن ، فسمع في منامه هاتفا يقول له : كفى ببعدك عنا عقوبة. هل يكون البعد عن الله سبحانه وتعالي ونحن في حياتنا الدنيا عقوبة الي هذا الحد؟ هل تشعر ايها الانسان ان مددك الروحي الذي نفخ فيك يوم كنت في شهرك الرابع في ظلمات بطن امك التي حملتك تسعة شهور وولدتك لتري عينيك النور ، والنور الحقيقي كان قد بثه الله عز وجل وهو روحك التي هي من روح الله. تخيل حجم هذه النعمة التي لا نتأملها كثيرا، نبحث كثيرا في كل كائنات ومخلوقات الله في الارض والسماء ونفكر ما الذي يميز الانسان، فيقول العلماء الانسان كائن ناطق، الانسان كائن مفكر، الانسان كائن يحلم ويغير ويصنع الحضارة. يتناسون ان اعظم ما يميز هذا الكائن الفريد “الانسان” هو انه الكائن الوحيد الذي نفخ فيه الله من روحه واحياه في هذه الارض واستخلفه أي جعله خليفته في هذه الارض ، يعمرها ويبني ويسكن بيوتها، ويأكل ويطعم صغاره من قوتها وعدسها وبقولها، وسخر له جميع المخلوقات فيلبس من جلد الحيوانات افخر انواع اللباس ، ويأكل من لحومها ما طاب منه واحله الله له، ولم يحرم الله الا الخبيث والضار فقط. وسخر لنا الجبال فلم نسمع يوما عن جبل لم ينصاع لامر الله ورفض ان يبسط ظله علي الوادي الذي يعيش فيه الناس، ولم نعرف في التاريخ ان جبلا خر صريعا فوق رؤوس قوم لم يعجبوه مثلا، ولم نسمع عن حيوانات تذبح لتؤكل لحومها اعترضت وهاجرت عن الارض. حتي الاجرام السماوية كل في فلك يسبحون، سخرهم الله في خدمة الانسان. الشمس تخرج كل يوم مشرقة وتنتظم في مدارها حول مركز مجرة تتزين بملايين النجوم ، والقمر قدره الله منازل يدور كل شهر دورة كاملة حول محور الارض فيأخذ عنه الناس مواقيت الشهور، ويستدل بضوئه الناس في الصحراء حتي الان، ونصوم نحن المسلمون عندما نري طلته البهية في بداية شهر رمضان المبارك الذي ننتظره كل عام علي احر من الجمر. هل شاهدتم يوما احد العلماء ينقل مثلا ان الشمس غضبت علي البشرية في يوم من الايام وقررت ان لا تشرق وتغيب ايام عن الظهور في الافق الشرقي؟ هل خرج القمر عن تسخير الله له لأن ينير الليل ويطلع في الميعاد المضبوط حتي ينظم الناس حياتهم؟ بالطبع لا فالكل مسخر بأمر الله لخدمة خليفته في الارض وهم نحن.
تشرف الانسان بهذا العز وهذا الكرم وهذا الشرف. كيف الحال وقد اكرمك الله ايضا بتقريبك منه، فهو القائل سبحانه “ادعوني استجب لكم” ماذا ننتظر؟ وماذا يؤخرنا حتي ولو للحظات ان نلبي نداء الحق ونقترب. اسمعوا هذه المناجاة العميقة للحلاج رحمه الله: نحن بشواهدك نلوذ. وبسنا عزتك نستضيء ، لتبدي ما شئت من شأنك. وأنت الذي في السماء عرشك، وأنت (الذي في السماء إله وفي الأرض إله) . اختلف كما شئت مع الحلاج الصوفي الكبير ولكن ادعوك لتلمس واحساس القول بالقلب واستشعار هذا الحب لله، واسجد واقترب..
View the Original article
0 comments:
Post a Comment