ونستكمل سلسلة مقالتنا عن المسائل الجدالية الصعبة التي تشغل كثير من المفكرين والعامة في الازمنة الاخيرة. بدأناها بمسألة القضاء والقدر وما اذا كان الانسان فعلا مخير ام مسير ومسألة حساب الله له يوم القيامة، وتحدثنا عن الفارق بين علم الله المحيط بكل شئء خلقه واحتفاظه بالمجريات في كتاب محفوظ قبل الخلق بحكم هذا العلم المحيط، وبين العلم المحدود الذي يتحصله الانسان والذي مهما استطاع ان يبلغ فيه مبلغا كبيرا يظل في نسبته لعلم الله المحيط كنقطة ماء في محيط واسع لا نهاية له. ثم تحدثنا عن مسألة خلافية كبيرة وهي مسألة ازدراء الاديان ، وهل لها من اصل في أي شريعة دينية وثابتة بنص مقدس ام هي تشريع دنيوي له غاية معينة محددة ، وشاهدنا كيف يتحول الدين لشعار يأسر به بعض الحكام شعوبهم ، وكيف يستغلون ذلك في تكفير المعارضين واتهامهم بازدراء الدين في حالة انهم عارضوا النظام الحاكم. وحديثنا اليوم عن مسألة اعلم انها قد تتسبب في كثير من الجدل واللغط ، ولا يضيرني ذلك في شئ طالما حاولت الاجتهاد في عرض الاراء بكل صدق ، والتزمت بما ينص عليه ديني في القرأن والسنة النبوية المطهرة. سنتحدث عن مسألة الزواج بأكثر من زوجة في الاسلام. والسؤال الذي اطرحه ابتداء: هل أباح الاسلام تعدد الزوجات؟ واذا كانت الاجابة بنعم ، فالسؤال التالي هل أباح تعدد الزوجات في كل الاحوال أم كان ذلك مشروطا بشرط ، ومقتصرا علي نساء معينة لهم وضع خاص يتميزون به عن غيرهن من النساء؟ تعالوا نحاول الاجابة.
يقول الله سبحانه وتعالي في اية من ايات سورة النساء ” وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا” صدق الله العظيم. سأكتفي ابتداء ان اذكر لكم بعض من التفسيرات القديمة التي كتبها كثير من الائمة الكبار والذين تركوا تفسيراتهم ليستنير بها من جاءوا بعدهم. يقول الامام القرطبي ان في تفسير هذه الاية المحورية عن تعدد الزوجات اربعة عشر قول أو رأي وتفسير وفي رأيه ان اول هذه التفسيرات هي كما ذكر في كتابه ” وإن خفتم شرط ، وجواب الشرط النكاح . أي إن خفتم ألا تعدلوا في مهورهن وفي النفقة عليهن فانكحوا ما طاب لكم أي غيرهن . ثم ينقل الامام القرطبي تفسيرا وقول ثابت عن السيدة عائشة ام المؤمنين زوجة رسول الله “ص” في قول الله تعالى : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
وخلاصة أراء الامام القرطبي رحمه الله كما نري وتستطيعون الرجوع الي كتابه وتفسيره للايات في سورة النساء نجد ان قولنا الذي نفهمه عن الايات من ان التعدد في الزوجات اقترن شرطيا بحالة الزوجات انفسهن بكونهن يتيمات لا ولي لهن ، وكأن الاسلام يشرع ما يحفظ به حق الجميع فيما احله الله بدون الاخلال بالنظام العام للمجتمع ، ولا حتي يخل ويؤثر في نفسية الزوجات اذا عزم الزوج ان يتزوج باخري ويبادلها نفس المشاعر واكثر التي كانت الزوجة الاولي تظن انها ملك لها وحدها دون غيرها ، وتشعر بان جزء كبير من سعادتها وراحتها في تميزها عن باقي النساء وكان هذا سر اختيار الزوج لها.
View the Original article
0 comments:
Post a Comment