يبدو ان الامور في مصر تتجه نحو المزيد من الانقسام الشعبي بعد ان أوضحت النتائج الأولية و الغير رسمية تقدم مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي و مرشح النظام احمد شفيق في الجولة الأولى من الانتخابات و بالتالي حصر جولة الإعادة بينهما . فالصعود المفاجئ لأحمد شفيق خلط الأوراق من جديد و بين مدى الدور الكبير الذي قد يلعبه الإعلام في توجيه الرأي العام و صناعته . خاصة وان الإعلام الرسمي ألقى بثقله في هذه الانتخابات و نجح في تبييض صورة شفيق بالرغم من كونه و لسنوات طويلة واحدا من أبناء النظام البائد . و هكذا يبدو ان الأموال و الإعلام و النفوذ الكبير للمستفيدين من النظام السابق قد ساهمت كعوامل في تقليص الزخم و الثوري أثره على هذه الانتخابات . و إلا كيف يمكن أن نفسر نسبة الأصوات المعتبرة التي نالها كل من احمد شفيق و عمرو موسى .
أن هذه النتائج تنبئ بشكل جلي أن القوى المضادة للثورة نجحت في تخطي العاصفة و هي الآن تعيد تنظيم صفوفها لتلعب دورا سياسيا بارزا في مصر ما بعد الثورة , و الواقع هو أن هناك الكثير من المصالح المتداخلة محليا و إقليما يسعى أصحابها لحمايتها و هي التي أفرزت نتائج الدور الاول من الانتخابات .
لكن المعضلة التي يجد المصريون اليوم انفسهم امامها هي أن المرشحين الذين أفرزهما الدور الاول يمثلان خطرا حقيقيا لكثير من الاطراف مما ينبئ بحالة من الاستقطاب و الاحتقان السياسي في الدور الثاني ستستمر بعد انتخاب الرئيس المقبل لجمهورية مصر العربية . فانتخاب أحمد شفيق سيمثل لفئات عريضة من الشعب مؤشرا خطيرا على فشل الثورة و على الانقلاب السلس عليها من طرف المجلس العسكري . في حين سيكون من الصعب حصول الاستقرار في حالة تولي مرشح الإخوان المسلمين الذي لا يمكن ان ينال إجماعا شعبيا . و في هذه الحالة ستكون عودة وجه من اوجه النظام السابق لتولي الرئاسة في مصر أمرا لا يمكن تفسيره إلا بشيئين . الاول هو ان الأغلبية الصامتة أثناء الثورة و اثناء الانتخابات التشريعية لم تكن مؤيدة للثورة بشكل تام و قد وجدت فرصتها لتعبر عن خوفها من المجهول و تمسكها بالوضع القائم , أما الثاني فهو ان ما انتجته الانتخابات التشريعية من سيطرة شبه مطلقة للإسلاميين على البرلمان خلقت العديد من المخاوف حول الاتجاه الذي يمكن ان تأخذه مصر إذا هيمن فيها الإسلاميون على السلطتين التشريعية و التنفيذية , و هنا بالضبط يمثل الأقباط احد أسباب العودة للتصويت لمرشح النظام السابق على حساب بقية المرشحين .
و ميل الوعاء الانتخابي القبطي يعكس في الواقع استمرار مخاوفهم من الاسلاميين و من طريقة حكمهم للبلاد . فكما في كثير من الدول الإسلامية , ضلت ورقة الأقليات تستخدم بشكل مستمر تحت دعوى حمايتها من الاضطهاد الديني في حالة تولي الإسلاميين للسلطة . و في هذه الحالة يتحمل الإسلاميون و الإخوان المسلمون بالخصوص جزء من مسؤولية تنامي هذا الشعور من عدم الثقة نظرا لعدم وضوح خطابهم السياسي . فعلى عكس خطاب المرشح الإخواني السابق عبد المنعم ابو الفتوح و الذي يتسم بدرجة اكبر من الوضوح و الاتساق بخصوص طبيعة الدولة المدنية و حقوق الاقباط , نجد أن خطاب الإخوان المعلن و المضمر ليسا مطمئنا و يحمل مؤشرات التذبذب و عدم الوضوح .
لكن ما يبقى مهما في هذه اللحظة هو مدى قدرة قوى الثورة و القوى المضادة كل في جانبه على التوحد و على رص الصفوف للفوز بالمعركة الاخيرة و التي ستحدد بشكل فاصل مصير الثورة . و لهذا تقف على عاتق الإخوان مسؤولية كبيرة من حيث ضرورة جمع الصف و تحقيق الإجماع الفعلي على مشروع واضح لدولة ديمقراطية و مدنية حديثة و هنا يبدأ فعلا الامتحان الحقيقي للجماعة و هو قدرتهم على التخلي على الشعارات و تحقيق النتائج على الميدان بعد تحقيقها على مستوى الصناديق . و من المبكر الآن الحديث عن مستقبل الحكم في مصر في حالة نجاح مرشح الإخوان بالرئاسة , لكن لو تم ذلك فعلا و هو متوقع فمن الاجدر و من مصلحة مصر أن يتعلم الإخوان من أخطاء غيرهم بدل التعلم من اخطائهم .
View the Original article
0 comments:
Post a Comment